اشتكى الكثير من المؤرخين والباحثين الجزائريين في تاريخ الجزائر الحديث لا سيما ما يتصل بحرب الجزائر أي الفترة الممتدة من 1954 إلى 1962 من شح المعلومة وصعوبة الوصول إلى الأرشيف “الثقيل” بالرغم من أنه جاء في مرسوم نشر في أوت الماضي في الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية، أن فرنسا ستعمل على “تسهيل الوصول إلى أرشيفها الخاص بحرب الجزائر، من خلال السماح بالاطلاع على الملفات”، هذا من جهة النية. أما في حقيقة الأمر فالعراقيل كثيرة والمؤرخون الجزائريون لم يكادوا يمروا من إجراء إداري إلى آخر حتى تبيّن لهم أخيرا أن كمية كبيرة من الأرشيف – وهي الأكثر أهمية – مصنفة ضمن “سر الدولة” ولا يمكن الوصول إليها بأي حال من الأحوال.
في الحقيقة الإجراء الجديد مفيد في حالات خاصة ويسيرة ومحددة ولكنه غير كامل، فالأرشيف الجزائري أو ما يسمى في فرنسا “أرشيف الحرب” أوسع نطاقا من هذا الإجراء وحده.
بعد تصريحات إيمانويل ماكرون في مارس من نفس العام، فتحت فرنسا، قبل خمسة عشر عاما من الموعد النهائي القانوني، أرشيفها القضائي المتعلق بالحرب والمتعلق بالفترة ما بين 1 نوفمبر 1954 و31 ديسمبر 1966، فمن الناحية العملية ظل الوصول إلى هذه الوثائق صعبا بالنسبة للعائلات والباحثين.
وكان من أهم العقبات استبعاد الملفات المتعلقة بالقاصرين – الذين تقل أعمارهم عن 21 عاما، وفقا للتشريعات المعمول بها في ذلك الوقت. وفي الواقع، فإن السجلات التي تتضمن قاصرين تخضع عادة لتأخير التصنيف لمدة مائة عام. وبسبب هذا القيد، إلى جانب العديد من القيود الأخرى، ظلت معظم الملفات غير قابلة للوصول إليها بالمرة. وبالتالي فإن المرسوم الجديد يلغي الاستثناء من استشارة الملفات المتعلقة بالقاصرين. ومع ذلك، فقد أبقى المرسوم الحجر على نقاط منها لا سيما أولئك الذين يشكل ملفهم “خصوصية الحياة الجنسية للأشخاص” أو فيه مساس بسلامة الأشخاص الذين تم ذكر أسمائهم أو الذين يمكن التعرف عليهم بسهولة والذين شاركوا في أنشطة استخباراتية” فهؤلاء يظلون مصنفين “سري للغاية” وغيرها من القيود التي أدت في الماضي إلى إغلاق العديد من الملفات.
وكان الطرفان الجزائري والفرنسي قد اتفقا على معالجة كافة المسائل المتعلقة بفترة الاستعمار والمقاومة وحرب التحرير المجيدة. في الواقع سيكون من العبث أن نتوقع الوصول دون قيود إلى أرشيف الحرب الجزائرية. فإذا كانت الخطوة التي اتخذها الرئيس الفرنسي تسمح برضا مدروس، لأنها دائما خطوة سياسية ودبلوماسية، فلا يزال هناك الكثير مما يتعيّن القيام به للوصول بشكل جدي وغير محدود إلى أرشيف الحرب، والذي تعتبر الدولة الفرنسية بعضه “سري للغاية” أو تعتبره يدخل في نطاق “أسرار الدولة”.
فيصل. أ