- عادت الدروس الخصوصية إلى الانتشار بقوة هذه الأيام موازاة مع اقتراب امتحانات نهاية السنة، حيث استغل بعض الأساتذة الفرصة لتنظيمها في المستودعات والمنازل بأسعار مذهلة، تجاوزت أحيانا 1500 دينار للساعة الواحدة وذلك في ظل الفراغ الرهيب الذي تعرفه الأقسام النهائية حتى قبل بداية الفصل الثالث وذلك بتزكية من الأساتذة أحيانا ومن دونها أحيانا أخرى.
تعرف الأقسام النهائية بالثانويات فراغا رهيبا هذه الأيام بسبب غياب الكثير من التلاميذ عن مقاعد الدراسة ولجوء أغلبهم إلى الدروس الخصوصية للمراجعة التي تمكنهم من افتكاك هذه الشهادة. وحسب بعض الأولياء، فإن الأمر جاء بناء على تزكية من بعض الأساتذة منعدمي الضمير، فيما أكد آخرون أن التلاميذ وأولياءهم السبب في هذه الظاهرة خاصة في ظل انتشار فكرة أن الدروس الخصوصية فرصة للاستيعاب أكثر.
ويرى في هذا الإطار رئيس جمعية أولياء التلاميذ أحمد خالد في اتصال مع “السلام اليوم” أن مسؤولية إفراغ الأقسام النهائية يتحمّلها أولياء التلاميذ من جهة ووزارة التربية من جهة أخرى، بالنظر إلى تشجيع الأبناء على القيام بالدروس الخصوصية بدل الالتحاق بالأقسام رغم التكاليف الباهظة، إلى جانب الوزارة التي تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية بسبب تقديمها لفرصة سحب استدعاءات البكالوريا شهر فيفري ما يشجع التلاميذ على مغادرة الأقسام بمجرد الحصول عليها، وبالتالي – يقول رئيس جمعية أولياء التلاميذ – فإن الحل يكمن في تأجيل الوزارة لعملية سحب هذه الاستدعاءات إلى غاية شهر ماي حتى يتم التخلص من المشكل.
وحول الدروس الخصوصية – أوضح المتحدث – أنها “شر لا بد منه”، لكن يجب على الوزارة المعنية أن تتدخل لتقنينها والسماح بإجرائها في آماكن لائقة مع مراقبة الأسعار الخيالية التي باتت تفرض على الأولياء “فمن غير المعقول أن تفرض أسعار تفوق الألف دينار لساعة واحدة في ظل عدم قدرة أغلبية الأسر على توفير هذا المبلغ لأبنائهم”.
من جهته، أوضح المكلف بالإعلام بالمجلس الوطني المستقل لمديري الثانويات في اتصال مع “السلام اليوم”، أن ظاهرة مغادرة تلاميذ أقسام البكالوريا للثانويات عادة ما تبدأ نهاية الفصل الأول لتتسع وبشكل ملفت للانتباه ومخيف خلال الفصل الثالث، وذلك في غياب تام للسلطات المعنية.
أما أسبابها فمتعددة ومتشعبة وأهم هذه الأسباب هي أن بعض الأساتذة – ولو على قلتهم – أصبحوا فاقدين للضمير الأخلاقي والمهني فلا يقومون بأداء دورهم المنوط بهم داخل المؤسسات الرسمية ولا يقدمون ما عليهم بل ويحثون تلاميذهم على الالتحاق بمستودعات ومحلات ومنازل الدروس الخصوصية منذ بداية العام الدراسي، ما يجعل التلاميذ وأولياءهم يرضخون لهذا الابتزاز غير الأخلاقي ويغادرون حجرات الدراسة في الثانويات والمتوسطات – يضيف المتحدث.
وحسب بوعنان، فإن الانتشار الفوضوي وغير القانوني للدروس الخصوصية وبشكل غير مسبوق أثر تأثيرا سلبيا على أداء المدرسة العمومية بل أصبحت تهدد كيانها ووجودها من الأساس، ولذلك فإن نقابة المجلس الوطني المستقل لمديري الثانويات طالبت بصراحة بإلغاء هذه الدروس لأنه لا وجود لها في النصوص القانونية الجزائرية، فالقانون التوجيهي للتربية يسمح بإقامة مؤسسات تربوية خاصة تخضع لدفتر شروط دقيق وواضح وتخضع لرقابة الدولة وتلتزم بتنفيذ البرامج والمناهج والمقررات المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية.
أما الدروس الخصوصية فليس لها أي قانون يحكمها، ولذلك وعلاوة على تأثيرها السلبي على أداء المدرسة العمومية فإنها تتسبب أيضا في إنهاك جيوب الأولياء بسبب المبالغ المالية المفروضة عليهم، إضافة إلى أن هؤلاء يمارسون نشاطات مربحة ولا يدفعون دينارا واحدة كضريبة مثلا لخزينة الدولة، وتوقيف هذه الدروس ومنعها أصبح أمرا لا مفر منه أو على الأقل وضع إطار قانوني واضح وصارم ينظمها حتى لا تبقى فوضوية.
للإشارة، فإن المجلس الوطني المستقل لمديري الثانويات دعا إلى تغيير القوانين الخاصة بمواظبة وغيابات التلاميذ خاصة في السنة الثالثة ثانوي لتصبح أكثر صرامة، لأن الأولياء يبررون غيابات أبنائهم ويتحايلون على القانون المتساهل في هذا المجال، إذ لا يمكن شطب تلميذ إلا بعد غيابه المستمر لمدة 32 يوما متتالية وبالتالي يجب تقليص هذه المدة إلى 15 يوما فقط، كما “طالبنا بإعادة النظر للعمل بالبطاقة التركيبية لتصبح معدلات التقويم المستمر لبعض المواد تحسب ولو بشكل نسبي في البكالوريا، هذا إضافة إلى إمكانية منع التلميذ الذي غاب أياما معدودة مثلا من اجتياز الامتحان المصيري.
وما لم تتحرك الجهات الوصية ومعها الأولياء وكافة الفاعلين في القطاع لمحاصرة هذه الظاهرة الخطيرة وغير المسبوقة، فإن الوضع سوف يزداد سوءا ومستقبل المدرسة العمومية يبقى مهددا.
طاوس. ز