الفرنسية تخسر معركتها  في لبنان الفرنسية
ثقافي

الفرنسية تخسر معركتها  في لبنان الفرنسية

 

 

الفرنكوفونية تتمدد عموديا وتتقلص أفقيا، فأي معنى لهذا الاستنتاج الذي يراه بعض الكتاب والقراء المتخصصين مجحفا أو محقا كما يقول معظمهم؟.

يمثل لبنان مؤشرا واضحا وثابتا على هذا الرأي، وخاصة أن طائفة لبنانية بعينها ينتخب الرئيس منها، تعتبر فرنسا “أمهم” كما يقول القبارصة اليونانيين عن اثينا، أمنا اليونان، فهل ما زالت فرنسا أمهم؟.

يوم الفرنسية

يعد 24 مارس من كل عام مناسبة للاحتفال باليوم العالمي للغة الفرنسية، والأسبوع الفرانكفوني، وتحت شعار “اللغة الفرنسية التواصل من أجل العمل” احتضنت العاصمة القطرية الدوحة فعاليات هذه التظاهرة، بعدما أصبحت مع الكويت من الأعضاء المراقبين في المنظمة الفرنكوفونية، وقد بلغ عدد أعضاء المنظمة الدولية للفرنكوفونية نحو 80 بلدا وحكومة، أما عدد الناطقين بالفرنسية في أوروبا فلا يتجاوز 65 مليون نسمة، وهي ثالث أكبر لغة في المجموعة الأوروبية، بعد الإنجليزية والألمانية.

صحيفة فقط

تعرف الصحافة الفرنكوفونية في لبنان انحساراً واضحاً، مقابل موت الصحافة الأنغلوفونية، فبعد توقف مجلات عريقة عن الصدور مثل “لو ماغازين” و«لا ريفو دو ليبان” وكذلك صحيفة “لو ريفاي”، لم يبق في لبنان سوى جريدة يومية وحيدة هي “لوريان لوجور”، التي تصدر عن دار النهار، وقد اضطرت الآن إلى تقليص عدد صفحاتها لتبلغ 12 صفحة، لكن ملحق “لوريان ليتيرير” الذي يصدر شهرياً في صيغة مستقلة عن الجريدة وبتمويل خاص، يعدّ من أفضل الملاحق الأدبية الصحافية في لبنان، وبات المنبر الثقافي والأدبي الوحيد الذي يعنى بالأدب الفرنسي والأدب الفرنكوفوني.

كما يعد معرض الكتاب الفرنسي في بيروت، الحدث الأبرز في السنوات الماضية، ويعتبر بحق سوقا صغيرة للكتاب الفرنسي والفرنكوفوني غير أن المفاجأة كانت في الغاء هذه التظاهرة نهائيا، واستبدالها بقرار من المركز الثقافي الفرنسي والبعثة الثقافية التابعة للسفارة الفرنسية بما يمكن وصفه المهرجان الفرنكوفوني تحت اسم “بيروت كتب” وصفه النقاد بأنه احتفالية أدبية يشارك فيها كتاب فرنسيون وفرنكوفونيون ولبنانيون يقيمون لقاءات وأمسيات ويوقعون مؤلفاتهم في عدة مناطق بيروتية ما أدخل التظاهرة في سوق الفوضى بنشاطات مبعثرة بين مركز وناد وجمعية ومقهى، والمدهش في الحدث ليس توقفه وإنما في السبب الرئيس لهذا التوقف، إذ يعزى إلى الانخفاض الحاد في حركة شراء الكتب الفرنسية وتراجعها بنسبة 80 بالمئة تقريبا، والسؤال المطروح لا يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية اللبنانية المتردية، وإنما بحال اللغة والثقافة الفرنسية في لبنان، والتي تعد بحق هي الأكثر ماضوية في المشرق العربي؟.

تواجه الفرنسية في لبنان كما في المشرق العربي الفرنكوفوني ما يشبه الهجوم المنظم، من جانب اللغة الإنجليزية، والجامعات الفرنكوفونية وفي طليعتها جامعة القديس يوسف، اضطرت إلى إدخال الإنجليزية في برامجها، فيما لم تعمد الجامعة الأمريكية إلى الالتفات إلى اللغة الفرنسية، وهذا يشير إلى ميل الطلاب الجدد إلى الإنجليزية التي تتيح لهم التواصل مع ثورة العصر والعولمة، إضافة إلى مراكز المعلومات والمراجع العلمية والمعرفية.

قد يشعر الذين يجيدون الفرنسية فقط، بشيء من الغربة أو “الانكفاء” في عالم أصبحت الإنجليزية لغته المعرفية ووسيلة التواصل فيه، ولكن هذا لن يعني انحسار الثقافة الفرنسية في لبنان، فاللغة شيء والثقافة شيء آخر، وازدهار الإنجليزية لا يعني ازدهار الثقافة الأنغلوسكسونية، وتظل الثقافة الفرنسية هي مرجع كثير من اللبنانيين.