الفرنكوفونية هل هي حالة أيديولوجية أم سيرورة ثقافية؟
ثقافي

الفرنكوفونية هل هي حالة أيديولوجية أم سيرورة ثقافية؟

لعل الإجابة المقنعة أو المعقولة على هذا السؤال، عبر عنها الأستاذ محمد ضناوي رئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية في لبنان، بقوله، أنه لا يرى مانعا من لجوء بعض الكتاب اللبنانيين إلى الكتابة باللغة الفرنسية، ونشرها في بلدان فرنكوفونية، لكن المستغرب، برأيه، أن يكتب هؤلاء بالفرنسية من حيث المبدأ، حتى إذا ظهرت الكتب بالفرنسية عمدوا إلى ترجمتها إلى العربية، أو كلفوا دار نشر بترجمتها، أملا في إيجاد جمهور من قراء العربية من لبنانيين أو سواهم، وذلك مرده “إلى الشعور بالدونية أمام الآخر”.

بين الوعي والحلم

ضمن هذا الفهم، جمعتني جلسة أدبية وشعرية، مع عدد من الأدباء والشعراء، كان بينهم شاعرة لبنانية تقرض الشعر بالفرنسية، ولاحظوا أن الشعر يقرض ولا يكتب، كأن الشاعر من صنف القوارض، كالأرانب والسناجب، يقضمون لقمة وراء لقمة ولا يلتهمون، المهم وجهت للشاعرة سؤالا له علاقة بقناعاتي الشعرية والشعورية، عما إذا كانت تحلم بالعربية أو بالفرنسية، فأجابتني بعفوية، أنها تحلم بالعربية، فأخبرتها بحقيقة قناعتي لما رأيت سؤالا تبدى من عينيها لمعرفة سبب سؤالي، وكان تعريفي صدمة احمر لها وجهها، لما أخبرتها أن الشعر هو “لغة الحلم” والشاعر الذي يكتب بغير اللغة التي يحلم فيها، فإنه يفكر في كتابة الشعر، بمعنى هو ينتج شعرا عقليا أبعد ما يكون عن الوعي الباطني ومنبع الشعور، ولهذا السبب بالذات نرى معظم الذين يكتبون بالفرنسية ضمن ما يسمى الثقافة الفرنكوفونية هم من الروائيين وغيرهم، وحفنة قليلة من الشعراء، يعدون على أصابع اليد الواحدة. وإذن ما من مرة يتم فيها تناول الحضور الفرنكوفوني، في مجالات الحياة العملية والعلمية، إلا ويتم طرح هذا السؤال كوصفة فرنكوفونية للتمويه، باعتبار الفرنسية غير الفرنكوفونية لكونها لغة الانفتاح على العالم، وليست استعماراً جديداً، وهو ما يفسره الأستاذ ضناوي بقوله، أن الأمة التي تلجأ إلى الكتابة بلغة غير لغتها، دون ضرورة هي أمة تشكو العجز والتبعية، إضافة إلى أنها أمة ناقضة لتراثها، ويتوجب على مفكريها ومسؤوليها العمل على إزالة هذه التبعية، ولا يعني ذلك عدم إتقان لغة أخرى”.وإذن نحن نقف بمواجهة لغة فرنسية خالية من مشبوهة تفتقد إلى البراءة، أي أمام أيديولوجية فرنكوفونية، وهذه حالة يمثلها الكاتب باسكال بروكنير، في كتابه “دموع الرجل الأبيض”، الذي أعلن فيه القطيعة مع الفكر المناصر للعالم الثالث الذي ميز اليسار الغربي في السبعينيات المنصرمة، وهو أحد الموقعين على عريضة ترفض إدانة الكيان الصهيوني عام 2021، ردّاً على عريضة لألف فنان ومثقف وجامعي من 45 بلداً، نشرتها جريدة ليبراسيون الفرنسية، تدعو إلى وضع حدّ للعنصرية الصهيونية، وقال في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الإخبارية إنّه “في الشرق العربي المسلم المتخلّف إسرائيل هي المنارة”.