القمة العربية في جدة.. إعادة هندسة البنية السياسية المستقبلية العربية
الاولى الحــدث

القمة العربية في جدة.. إعادة هندسة البنية السياسية المستقبلية العربية

وصل وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، ظهر الاثنين، إلى جدة بالمملكة العربية السعودية في زيارة رسمية في إطار تعزيز علاقات الأخوة والتعاون بين البلدين والمشاركة في الإعداد الوزاري لاجتماعات القمة العربية المقرر عقدها في 19 ماي.

للأسباب التي سنذكرها، تعتبر زيارة عطاف هامة جدا للجزائر وللأمة العربية لأن توقيتها ومناخها العالمي والملابسات التي تحيط بها إقليميا ودوليا تجعل منها وجهة سياسية حاسمة. ولأن المرحلة تفرض على العرب الالتزام بالحد الأقصى من الصرامة والجدية والموضوعية في ظل عالم متأزم.

يمكن لقمة الرياض أن تحقق إعادة تشكيل داخل “الأسرة العربية” فالتقارب الأخير بين السعودية وإيران من جهة، والسعودية وسوريا من جهة أخرى، لم يرض بعض الدول العربية التي كانت لها خلافات مع أي من هاتين الدولتين، إيران وسوريا، وهذا بالتحديد هو حال قطر والمغرب، فالأول يريد أن تكون عودة سوريا إلى المنزل بشروط، والثاني كان دائما بعيدا عن طهران لا ينفك من انتقاد سياستها في جميع أطوار خطاباته الرسمية.

لكن إعادة التشكيل ليست مثيرة للاهتمام فقط من حيث ما ستحمله من الداخل، لأن هناك “ارتباطات خارجية” يجب أخذها في الاعتبار. ستنقل سوريا وإيران نفوذ روسيا داخل جامعة الدول العربية، مثلما قد يكون تغيير اتجاه بعض البلدان مع حماتها الغربيين السابقين نذير انفصال أليم وصريح عن الهيمنة الغربية الكلاسيكية على العالم العربي الإسلامي.

لهذا كان عمل أحمد عطاف عملا تمهيديا للرئيس تبون في جدة ونتيجة لذلك شارك في كل الاجتماعات الوزارية لمجلس جامعة الدول العربية وفي اللجان الفرعية المختلفة التي سيركز عملها على مراقبة مدى تنفيذ القرارات التي اتخذها القادة العرب في قمة الجزائر وإعداد محاور مختلفة على جدول أعمال الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية.

ربما تكون قمة الرياض، التي يجب أن تصادق على عودة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية، تبشر بهندسة سياسية جديدة في العالم العربي.

وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، تلقى دعوة للمشاركة في القمة العربية في جدة يوم 19 ماي، وكان سفير المملكة العربية السعودية لدى الجزائر عبد الله بن ناصر البصيري هو من سلمه مضمون الدعوة الذي أرسلها خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. لذلك، فهي دعوة معززة بالعمل الدبلوماسي والمناقشات “غير الرسمية” من أجل تقريب الآراء المتضاربة بين القادة العرب وتلطيف الأجواء المشحونة والتأكيد على أن القمة ستركز على الأهم فالأهم وترتب الأساسيات السياسية.

قمة الرياض مهمة أيضا بسبب السياق الدولي والإقليمي الذي تقام فيه، حيث يجب ألاّ يغيب عن البال أن هذه القمة العربية الثانية والثلاثين التي ستعقد في المملكة العربية السعودية في 19 ماي ستسبقها تعديلات يجب إجراؤها.

فعودة دمشق إلى “البيت العربي” هو حدث جلل لا يقل شأنا عن الأحداث التي تلته مثل التقارب السعودي – الإيراني والهدنة بين حلف الرياض مع الحوثيين والانفصال الذكي للسعودية عن الولايات المتحدة الأمريكية للمضي بعزم نحو تقارب مع الصين من أجل تأسيس قطب اقتصادي قوي في وقت تظهر فيه أولى بوادر التفكك الاقتصادي الأوروبي والأمريكي.

إن انضمام السعودية والجزائر وإيران إلى مجموعة “أوبك +” كان بمنزلة الضربة القاصمة للولايات المتحدة الأمريكية التي زاد من فشلها عدم قدرتها على ترجيح الكفة لصالح أوكرانيا في حربها مع روسيا ثم النداء الذي قام به الرئيس الفرنسي ماكرون للتملص الأوروبي من الهيمنة الأمريكية والبحث عن طريق ثالث ثم تنقله إلى بكين للمطالبة بالتدخل الصيني لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

كانت كل هذه مؤشرات لانتهاء عهد وانطلاق عهد جديد في الخارطة الجيو-استراتيجية والعلاقات الدولية. وعلى هذا الأساس قلنا إن قمة الرياض هي قمة ذات أهمية قصوى في الوقت الراهن.

يمكن لقمة الرياض أن تحقق إعادة تشكيل جديد وناجع داخل “الأسرة العربية”. ولكن، كما أوضحنا بالفعل، فإن إعادة التصميم هذه ليست مثيرة للاهتمام فقط لأنها ستجلب إلى داخلها “الارتباطات الخارجية” التي أفرزتها اضطرابات الحرب في أوكرانيا لمدة عام وكل مخلفاتها.

فيصل. أ