سلطة ثقافة مهيمنة تبني العالم بطريقة خاصة
ثقافي

سلطة ثقافة مهيمنة تبني العالم بطريقة خاصة

تكشف كتابات المفكر إدوارد سعيد عن إستيعابه الواضح للمدى الذي ينوي فيه تمثل الإسلام في العالم الغربي المعاصر، والطرق التي بنى على أساسها المستشرقون تصورهم للشرق في القرن التاسع عشر.

يبدأ سعيد كتابه “تغطية الإسلام” بالقول :”هذا الكتاب هو الثالث والأخير من سلسلة ثلاثيةـ الإستشراق 1978، والقضية الفلسطينية 1979، وتغطية الإسلام 1981م ـ حاولت فيها معالجة العلاقة الحديثة القائمة بين عوالم الإسلام، والعرب، والشرق من جهة، وبين الغرب، وفرنسا، وبريطانيا، ولاسيما الولايات المتحدة، من الجهة الأخرى”. إذن فهذا الكتاب يعالج العلاقة  بين الإسلام والغرب، وهي القضية التي لازمت المفكر إدوارد سعيد.

يقول إدوارد سعيد حول تسمية  “تغطية”:”…وبرغم أن التورية التي يخفيها عنواننا (تغطية الإسلام)، في ثناياه، سوف تتضح، لاحقا، أمام من يتابع قراءة الكتاب، فإنه من الجدير أن نورد شرحا بسيطا في مستهله: فإحدى النقاط التي أثيرها هنا، وفي (الإستشراق) هي أن مصطلح (الإسلام) كما يستخدم اليوم، يبدو كأنما يدلّ على شأن واحد بسيط، ولكنه في الحقيقة وهم في بعضه، وذمغة أو إسم ـ تعميم إيديولوجي في بعضه الثاني، وهو تحديد بسيط لدين يعرف بالإسلام، في بعضه الثالث. ولا تقوم أيّ مقابلة مباشرة، على أي درجة من الاهمية الحقّة، بين الإسلام في المصطلح الغربي الرائج، وبين الحياة الزاخرة بالتنوعات الهائلة التي يحفل بها عالم الإسلام بسكانه..”

يواصل إدوارد سعيد في كتابه: “تغطية الإسلام” ما كتبه في “الإستشراق” والثقافة و”الامبريالية”من توسيعه لدائرة البحث، لتشمل العالم الثالث، على الصعيد الجغرافي، وطرائق فهم مواطن العالم الثالث لنفسه، وهويته، ورد فعله على نظرة الغربّي له على صعيد بؤرة البحث والدراسة، فهو “يتناول ردود الفعل الغربية، لا سيما الأمريكية، تجاه العالم الإسلامي، الذي ينظر إليه، منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، بوصفه موقعا شديد الأهمية مع أنه بحد ذاته، مصدر للمتاعب، على نحو منفر وبغيض، وإشكالي، إلى حد بعيد”.

يحتوي الكتاب على 195 صفحة من القطع المتوسط، تتصدره مقدمة، يعقبها ثلاثة فصول، تمتد على مدى الكتاب.

ويؤكد إدوارد سعيد أن التورية في “تغطية الإسلام” ستبدو جلية لكل من يقرأ هذا الكتاب، ويشير المؤلف إلى أن هذه التغطية، زاخرة بالمغالطات، وترد أيضا في أعمال وأبحاث الخبراء الأكاديميين المختصين في الإسلام، وكذا الاستراتجيين الجغرافيين والمفكرين الحضاريين. ويعتبر إدوارد سعيد أن هذه التغطية زودت مستهلكي الأخبار بالشعور بأنهم باتوا يفهمون الإسلام دون أن تشعرهم، في الوقت نفسه، بأن القسط الأوفر من هذه التغطية الناشطة إنما يقوم على مادة أبعد ما تكون عن الموضوعية، ويقول إدوارد سعيد: “ونجد في الكثير من التعبير عن العصبية العرقية الجامحة، والكراهية الثقافية، بل حتى العرقيةـ الجنسية، والعداء المستحكم العميق، غير أنه عداء ينتشر حرا طليقاـ وفي ذلك مفارقة ضدية واضحة.

يؤكد المؤلف أن الإسلام تحدد خصائصه ومميزاته، بلا حدود، عن طريق اعتماد حفنة من الكليشيهات البالغة التعميم حتى التهور والرائجة الانتشار، ويذكر إدوارد سعيد مثالا على ذلك متعلق بإيراد النيويورك تايمز المقاومة الإيرانية الشديدة غير المتوقعة للغارات العراقية، وتستعمل كلمة “التشوف الشيعي للإستشهاد”، ويشير المؤلف إلى أن صيغا من هذا النمط تبدو، سطحيا، معقولة وجديرة بالتصديق، ولكنها في الحقيقة تستخدم لتغطية قدر وفير مما لا يفقه الكاتب من أمره شيء. ويرجع المؤلف السبب في ذلك إلى جهل المراسل باللغة وكذا جهله بثقافة الإيرانيين، ويلفت المؤلف الإنتباه إلى ان المؤهل الوحيد لذلك المحرر الصحافي يكمن في براعته في إلتقاط الأشياء بسرعة، أو لمجرد وجوده في مكان ملائم قريب من المكان الذي تجري فيه الأحداث التي تحتل الصدارة في الاخبار. ويقول: “وهكذا نجد هذا المحرر، بدل أن يحاول أن يعرف المزيد عن ذلك البلد، يلتقط أقرب الأمور منالا، وهي في العادة، كليشيه معين أو حكمة صحفية لا يحتمل أن يتحداها القراء في الوطن”. وكتب أيضا يقول :”ومن هنا لا غرابة نجد أنه، مع وجود ما يقرب من ثلاثمائة مراسل في طهران خلال الأيام الأولى لأزمة الرهائن، ودون أن يكون بين هؤلاء، من يتكلم الفارسية، كانت جميع التقارير الإعلامية الصادرة من إيران تكرر، جوهريا الرويات الواهية المهترئة نفسها في سردها لما يجري هناك، ومما لا شك فيه أن أحداثا أخرى وتطورات سياسية قد استجدت في إيران في تلك الفترة فمرت دون أية ملاحظة أو إشارة”.

يشير إدوارد سعيد إلى أن التغطية والتعمية للإسلام هما نشاطان كادا أن يصرفا النظر كليا عن الاهتمام بالمأزق الذي يشكلان عرضين من أعراضه: القضية العامة المعنية بالمعرفة والعيش في عالم أصبح بالغ التعقيد والتنوع، يستحيل حصره وفهمه في تعميمات فورية ميسورة. ويبين الكاتب أن الإسلام يمثل حالة نموذجية، وأنه يمثل أيضا حالة فريدة، لأن تاريخه في الغرب بالغ القدم وشديد التجديد، ويقول :” وأقصد بقولي هذا أن الإسلام، مثله في ذلك مثل الكثير من أجزاء العالم ما بعد الكولونيالي، لا ينتمي إلى أوروبا، كما أنه لا ينتمي ـ كما تنتمي اليابان ـ إلى مجموعة الأمم الصناعية المتقدمة. لقد تم اعتبار أن الإسلام على أنه يدخل في نطاق “المنظورية التنموية، وذلك نمط تعبيري آخر للقول أن المجتمعات الإسلامية قد اعتبرت بحاجة إلى التحديث “على مدى ثلاثة قرون على الأقل”.

ويشير الكاتب من جهة أخرى إلى أن “الإسلام ” من ناحية أخرى، كان يمثل على الدوام، إزعاجا خطرا للغرب.

يبين إدوارد سعيد أن هذا الكتاب هو بعيد عن أن يشكل دفاعا عن الإسلام، ويوضح الكاتب أنه يصف استخدام الغرب “للإسلام”، كما يصف ذلك الاستخدام في العديد من المجتمعات الإسلامية.

ويؤكد إدوارد سعيد على أن أعسر المطالب تحقيقا على الغالبية العظمى من الخبراء الأكاديميين المختصين بالإسلام هو ان يعترفوا أن ما يقولونه وما يقومون به بوصفهم باحثين علميين، إنما يتم في سياق مغرق في السياسة وانه في بعض من جوانبه تهجمي مهين، كما يبين المؤلف أن كل ما يمت بصلة إلى دراسة الإسلام في الغرب المعاصر مشبع بالأهمية السياسية، ويشير إدوارد سعيد إلى أن اي كاتب يكتب حول الإسلام، سواء كان خبيرا أو مثقفا غير مختص لا يعترف بهذه الحقيقة، ويقول: “ذلك أنه يفترض أن الموضوعية تتأصل راسخة في صلب الإنشاء المثقف حول المجتمعات الأخرى، على الرغم من التاريخ الطويل للقلق السياسي والأخلاقي والديني الذي تنطوي عليه كل المجتمعات الغربية والإسلامية، في ما يختص بالغريب والأجنبي والمختلف. ففي أوروبا، مثلا جرت العادة تقليدا أن ينتسب المستشرق مباشرة إلى الإدارات الاستعمارية، وإن ما بدأنا للتو في معرفته عن مدى التعاون الوثيق بين البحث العلمي والفتح الاستعماري العسكري المباشر لهو مثقف ومثير للإكتئاب … ومع ذلك مازالت الكتب والمقالات تتدفق مطرية ممجدة الطبيعة غير السياسية للبحث العلمي الغربي، وثمار العلم الإستشراقي، وقيمة الخبرة “المتخصصة الموضوعية”. وفي الوقت نفسه نكاد نعدم خبيرا مختصا في “الإسلام” لم يسبق أن كان مستشارا أو حتى موظفا في الحكومة، أو الشركات المتعددة او الإعلام”.

ل.أ