يعرض صاحب هذا الكتاب لقضايا محددة تتعلق أساسا بالمفاهيم التي دار حولها السجال منذ أزيد من قرن ونصف وهي مفاهيم النهضة والتقدم والحداثة .. وحاول مفكرو عصر النهضة أن يقدموا مقاربات عديدة لهذه المفاهيم.
وقد حاول الكاتب أن يقف على مكامن الخلل في هذه المشاريع النهضوية من خلال قراءات نقدية لهذه المفاهيم.
لقد استطاع المؤلف في جزء هام من هذه الدراسة أن يقدم ثبتا بمجموعة الانحرافات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمت ممارستها من قبل النخب الاجتماعية العربية كما بين جوانب القصور في هذه المشاريع النهضوية التي رافقت يقظة الأمة العربية منذ حملة نابليون على مصر.
وتكمن أهمية هذا الكتاب كونه قام بعملية مسح لأهم الطروحات التي تناولتها الصحف والمجلات خلال عشر سنوات ابتداء من سنة 1978 إلى سنة 1987 – وهي الفترة التي عرف فيها الفكر العربي موجة من المراجعات الفكرية لأهم التيارات التي كانت متسيدة للمشهد الثقافي العربي وكما عرف بداية تبلور العديد من المشاريع النقدية النهضوية ويجدر بنا أن نذكر مشروع الجابري ونقده لجورج الطرابيشي ومشروع حسن حنفي وأيضا مشروع عبد الله العروي .. وغيرها من المشاريع التي لم تكتمل كمشروع طع عبد الرحمان أو أبي يعرب المرزوقي … الخ .
أوضح المؤلف أن تجربة الحداثة والتقدم في الوطن العربي كانت تجربة تطبيق قسري وتقليد مبتسر واستهلاك أيديولوجي لم يرافقها أي إصلاح فكري أو ثقافي أو نظمي ورغم اعتراف المؤلف أن بعض الدول العربية قد حققت بعض الانجازات مثل زيادة عدد المتعلمين والتقليل من الأمية التي كانت مستشرية في أوصال الأمة العربية وإلا أن هذه الانجازات لم تتمكن من تحقيق الإقلاع الحضاري وتحقيق النهضة المنشودة.
أما النماذج النهضوية فان الكاتب لم يتعرض لها بشكل واضح إلا بعض الإشارات الخفيفة ولكنه تعرض لمشروع محمد علي في مصر وحاول تقديم قراءة الأسباب الذاتية لفشل الإصلاحات والتنظيمات التحديثية في مشروعه باعتبار أن هذا المشروع في جانبه السياسي والثقافي قد مثل خلفية فكرية ولا تزال إلى حد كبير على اتجاهات تيار الحداثة وأوضح المؤلف أن خيار التحديث بالطريقة التي سلكها محمد علي لم يكن خيارا موفقا بل تقليدا لمحاولات القيادات العثمانية السابقة في مواجهة التحديات الغربية المدمرة التي كان سلاطين العثمانيين يظنون أنه يكفي لمواجهتها تقليد الغرب في خطواته نحو التحديث.
رغم أن الكاتب لم يقدم لنا بديلا لهذه التجارب النهضوية المستنسخة عن الغرب ولكنه نجح في بيان ضرورة البحث عن ذلك البديل الذي تنتظره الشعوب العربية منذ أكثر من قرن ونصف من الزمن.
لعل أهمية الكتاب الذي نقدمه اليوم تكمن في كونه عرج على المنظومات الفكرية والسياسية التي دخلت مرحلة مخاض فكري وأدت إلى تشكيل الفكر النقدي لدى مثقفي الأمة وهي مرحلة لابد منها لبلوغ مرحلة الإنتاج الفكري المتميز والنابع من خصوصية مجتمعاتنا للدخول إلى العصر من بابه الواسع.
م . رابح