هكذا تحتفل المدن الجزائرية بالسنة الأمازيغية “يناير”
الاولى الحــدث المحلي ثقافي روبـورتـاجـات وتحـقـيـقـات وطني

هكذا تحتفل المدن الجزائرية بالسنة الأمازيغية “يناير”

تقاليد شعبية ذات دلالات رمزية

ريبورتاج: سعاد قبوب

تحتفل الجزائر بالفاتح من يناير 2974، أول يوم من السنة الأمازيغيةالموافق لـ 12 جانفي، أين تنطلق التحضيرات بتنصيب الطاولات الكبيرة بالشوارع لبيع مختلف الحلويات والمكسرات، فيما تستعد العائلات بتحضير الأطباق التقليدية بالمناسبة، التي تصحبها تهنئات ومعايدات بـ “أسقاس أمقاز” وهو تعبير أمازيغي يعني سنة جديدة.

وتطبع ليلة رأس السنة الأمازيغية، طقوس احتفالية شعبية ذات دلالات رمزية، تعكس ارتباط الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الممتدة عبر التاريخ، من خلال إعداد أطباق ووجبات خاصة وتنظيم كرنفالات وتجمعات بين العائلات والجيران على أهازيج الأغاني والأناشيد الأمازيغية.

الجزائر.. إطلاق الطبعة الرابعة لجائزة الرئيس للأدب واللغة الأمازيغية

تم إعداد برنامج ثري ومتنوع للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة يناير 2974 على مستوى عدة ولايات من الوطن، وحسب وزارة الثقافة، سيتم تنظيم الطبعة الرابعة لجائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية 2024، يتضمن العديد من النشاطات من بينها إقامة معرض لمنشورات المحافظة الساميةللأمازيغية وآخر للصناعة التقليدية، بالإضافة إلى ندوات فكرية حول “مقاربة الهوية اللغوية وإشكالية الوحدة والتعدد”، “يناير والأبعاد التاريخية والثقافية للهوية الجزائرية” وكذا “أهمية الذكاء الاصطناعي في عملية الترجمة”، كما سيضم أنشطة على مستوى كافة مكتبات المطالعة العمومية في الفترة الممتدة بين 11 و 13 يناير 2024 مرفوق بتكريمات للكتاب ومعارض للتعريف بالإصدارات وبيع بالتوقيع لفائدة الكتاب، وكذا ورشة حول دور الترجمة في نشر وتداول الأعمال الأدبية والانتاج العلمي والثقافي باللغة الأمازيغية، كما سيتم تدشين “سوق يناير” بساحة البريد المركزي بالعاصمة بمشاركة حرفيين ومؤسسات ناشئة، بالإضافة الى تقديم درس نموذجي حول يناير على مستوى إحدى المدارس الابتدائية.

غرداية.. احتفالات بهيجة وفق تقاليد وعادات متوارثة

يشكل الاحتفال بيناير أو مايسمى”أمَنزُو نْينّاير” بغرداية، بطقوس وتقاليد عريقة احتفظت بها العائلات في المنطقة منذ سنوات، وعادة ما يحتفل سكان منطقة مزاب ليلة 6 إلى 7 يناير، اعلانا عن انطلاق الموسم الشتوي للسنة الفلاحية بهذه المنطقة التي تتميز بمناخها الجاف؛ وبالنسبة للاحتفال تتهافت العائلات بغرداية على إعداد الطبق التقليدي “ارفيس” وهو الطبق الذي لا يستغنى عنه في إحياء مناسبة إنار؛ ويتم تحضيره بشكل أساسي من السميد والسكر يدهن بالسمن، ويتم تزيينه بالزبيب، ويكون الطبق مرصع بحبات البيض المسلوق، ويقدم بعد تجهيزه مع الحليب.

وتعقب الإحتفالية تلاوة فاتحة الكتاب والتضرع إلى المولى عز وجل ورفع أكف الدعاء في أن يجعل السنة الجديدة غنية بالمنتجات الفلاحية والموارد المائية، لتختتم الأمسية بتجمع النسوة لممارسة ألعاب تقليدية تسمى “ألاون” وهي لعبة نسوية تشبه “البوقالة” الجزائرية، بينما يتوجه الرجال والأطفال للاحتفال في أجواء بهيجة تصنعها مشاهد فرق البارود والفولكلور الشعبي بغرداية وسط طلقات البارود.

طبق الشرشم يزين مائدة العائلات المستغانمية

تسهر العائلات المستغانمية التحضير بالاحتفالية منذ أسبوع، أين تقوم النسوة على إعداد طبق “الشرشم” حيث يتم تنقيع حبات الزرع في قدر من الماء يوما قبل طهيها والذي يتكون من القمح والحمص والفول، فضلا عن “الدراز” وهي كلمة من أصل تركي تعني الخيرات في إشارة إلى أنواع الفواكه الجافة والمكسرات والشكولاطة؛ بحيث تتزين مائدة العائلات المستغانمية بأطيب المكسرات والفواكه الموسمية الطازجة، ضف إلى تحضير حلوى الكعك والسفنج مع الزبيب المجفف، ويزين هذه المجموعة البهية الحلويات الشهية مثل الشوكولاطة، حلوة النوجا، والشام اللذيذة الذي يرافقها الشاي؛ وتعكف الأمهات بخياطة أكياس صغيرة للأطفال للإحتفاظ بالحلوى.

النعامة.. عادات وتقاليد حاضرة بأطباق المردود

الاحتفال بليلة العام له خصوصياته ولعل من أهمها ما تتطلبه مائدة العشاء خلال هذه الليلة والمتمثلة في الكسكس أو الطعام الغليظ أو ما يعرف في المنطقة بالمردود، الطبق يحتوي على كل البقوليات الجافة، والأعشاب مثل الكليلة، والفطريات البدوية كالفقاع او الترفاس المجفف، والتمر منزوع النواة، ماعدا واحدة او اثنين حسب عدد افراد العائلة ومن بين المعتقدات انه من وجد هذه النواة او العلفة فهو ذو حظ؛ وفي السهرة تزين المائدة بمختلف أنواع المكسرات والحلويات والفواكه الموسمية المتوفرة، ولإدخال الفرحة على الاطفال تقوم اكبر سيدة بالعائلة كالجدة او الام بوضع اصغر طفل وسط العائلة ويفرغ فوق رأسه كل الصحن الذي يحتوي على مخلط المكسرات والحلويات، وبعدها يتم توزيعها على الحضور

منطقة القبائل.. تحليق الشعر للطفل الصغير والوزيعة

في منطقة القبائل مثلا، يحلقون في هذا اليوم شعر المولود الذي يبلغ سنة واحدة من العمر، ويلبس في هذا اليوم أيضا أجمل الثياب، ثم يوضع داخل قصعة وتُنثر فوقه الحلويات والسكر والبيض، احتفاء به وتفاؤلا بأن يكبر ويشتدّ عوده، وهي نفس العادة تقوم بها العائلات المقيمة بوسط البلاد أين يجتمعون في السهرة ما يسمّى بـ”التّراز”، وهي تشكيلة من الحلويات والمكسرات والتمر بالإضافة إلى الشاي الساخن، ويتبادل أفراد العائلة أطراف الحديث حول هذه المائدة.

قد تكون الوزيعة من بين أكبر مظاهر استقبال العام الجديد، فيعمَدُ سكان المدن والقرى إلى تنظيم هذه العادة القديمة لإحياء مناسبة “يناير”، فيتم تعيين أشخاص للذهاب للسوق من أجل اختيار أفضل العجول، بعد أن تم تأمين ثمنها من طرف المشاركين فيها ومن المتطوعين وأهل الخير، وتوكل لكل مجموعة مهمّة معيّنة، فمجموعة تقوم بالنحر وأخرى بالقطع وأخرى بالتنظيف، وبعد كل ذلك يتم توزيع اللحم على المشاركين مع تخصيص حصص للفقراء والمحتاجين، فمغزى الوزيعة ألّا يكون فرق بين عشاء الغني والفقير في ليلة “يناير”.

أيراد” كرنفال احتفالي تشتهر به منطقة بني سنوس بتلمسان

يعد كرنفال “أيراد” من العادات والطقوس التي تتوارثها الأجيال بمنطقة بني سنوسبولاية تلمسان، المتاخمة للحدود الغربية للاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة، وهي عادة قديمة مازالت تحفظ بها العائلات، ويعود تاريخ هذا الكرنفال الذي تشتهر به المدينة إلى 1250 سنة قبل الميلاد وهو يحمل عدة تسميات وطقوس احتفالية فسكان منطقة “تفسرة” يسمونه “الشاخ” و”حمار الكرموس” و”الأيرادية الكبرى”؛ وتعني كلمة “أيراد” الأسد، الذي يعد رمزًا للقوة، والذي يرتكز على صناعة شباب بني سنوسلأقنعة الحيوانات قبل عدة أيام من الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية ويلبسونها للتظاهر بها ليلة “يناير”.

 

“التراز” طاولات مزينة بالحلويات والمكسرات 

أيامًا قبل “يناير” يقوم الباعة بتنصيب طاولات كبيرة مملوءة ومزينة بالحلويات والمكسّرات والفواكه الجافة، والتي يتهافت عليها الأطفال قبل الكبار لإقتناء الحلويات المتنوعة، التي تجتمع عليها العائلات كتحلية ما بعد العشاء طبقًا مكوّنًا من أبهى أنواع المكسرات وهو ما يطلق عليه اسم “التراز” وهو خليط من اللوز والجوز والبندق والحلويات ومكونات أخرى، و التي تقوم النساء بوضعه على رؤوس أصغر فرد من العائلة كتقليد داخل قصعة كبيرة، ثم يتم توزيع حصة من هذه المكسرات لكل فرد من العائلة من طرف شخص كبير في السن.

أطباق متنوعة بعدة ولايات من الوطن

تبقى أبرز مظاهر الاحتفال لدى الجزائريين إعداد أطباق ومأكولات تعد خصيصا خلال هذا العيد، يتناولها أفراد الأسرة مجتمعين ليلة رأس السنة، بالإضافة إلى تنظيم كرنفالات وعروض مسرحية فرجوية واحتفاليات خاصة بالأطفال؛ ويعتبر الكسكسي الطبق الأهم، للاحتفال بهذه المناسبة بوسط البلاد وغربها، ويتم إعداده، بالاعتماد على أنواع مختلفة من الخضراوات، فيما تبقى “الشخشوخة”، طبق العيد الرئيسي في شرق البلاد، فيما تعد الجدات بشرق البلاد “الشرشم”، وهو مزيج من البقوليات والحبوب التي تغلى في الماء وتملح وتؤكل.