هل الفرنكوفونية غنيمة حرب؟
ثقافي

هل الفرنكوفونية غنيمة حرب؟

 

مصطلح الفرنكوفونية، يرجع إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي 1880م والذي وضعه عالم الجغرافيا الفرنسي أونزيم ركلو للدلالة على الدول التي تستعمل اللغة الفرنسية. ثم صار فيما بعد دالاً على مجموع المستعمرات الفرنسية القديمة الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية. واعتادت الاذهان الجزائرية على مقولة الكاتب المسرحي كاتب ياسين: الفرنسية غنيمة حرب، حيث تأصل مفهوم الحفاظ عليها كلغة أجنبية للضرورة ولكن هلا توقفنا وأعدنا النظر في هذه الاشكالية وهل الفرنكوفونية فعلا تخدم المجتمع الجزائري أم أنها عبء ثقافي استعماري؟

اعتمدت فرنسا طيلة سنوات الاستعمار سياسة الفرنسة باعتماد اللغة الفرنسية محل العربية في كل مجالات الحياة، لتصبح اللغة الفرنسية لغة الادارة والحكم والنخبة ولقد اعتمد بعض الكتاب الجزائريين اللغة الفرنسية للتعبير عن أفكارهم ولسان انتاجهم الفكري والأدبي ولازال النقاش محتدماً حول هويّة الأدب المكتوب باللغة الفرنسية، إذ هناك من يعتبره جزءا من هوية فرنسا، وهناك من يرفض هذا ويراه أدباً جزائرياً محضاً صيغ باللغة الفرنسية.

في هذا السياق، يرى الكثير من المعلقين والنقاد الأدب المكتوب من طرف الأدباء الجزائريين باللغة الفرنسية في عهد الاستعمار أو في مرحلة الاستقلال على أنه انتقاص من الهوية الوطنية.

لا شك أن مثل هذا الحكم متطرف في موقفه لأنه يصدر غالبا عن عدم الاطلاع على مضامين هذا الأدب اطلاعا خاليا من الأفكار المسبقة ولأن أصحابه يحكمون على هوية الأدب ومضامينه بمعيار مفردات اللغة.من المعروف أن الأدباء الجزائريين الذين اختاروا الكتابة باللغة الفرنسية جراء عدم تعلمهم للغة العربية قد استعملوا ولازالوا يستعملون مفردات اللغة الفرنسية للتعبير عن البنيات الروحية والثقافية والاجتماعية المميزة لمجتمعهم الجزائري أي عن سمات وخصائص الهوية الجزائرية، وفي هذا الإطار نرى أن عدم التمييز بين اللغة كنظام نحوي وصرفي ومفردات وبين اللغة كسجل رمزي مرتبط بالحساسية الوطنية وبالأبعاد الروحية والمادية للأمة وباستراتيجيات المقاومة هو السبب في اعتبار كل من يكتب بلغة أجنبية ملغيا لهوية وطنه ويصير ناطقا باسم النسيج الثقافي والفكري الذي تنتمي إليه تلك اللغة – الوسيط.

إن هذا النوع من الموقف المعياري سببه بعض الأدباء الناطقين بالفرنسية أنفسهم منهم مالك حداد الذي صرح: “إن اللغة الفرنسية منفاي”، والذي فهم من طرف جوقة المعربين المتطرفين على انه طلب نجدة لإخراجه من المنفى.

من الناحية السلوكية فإن كاتب ياسين ومالك حداد جزائريان لم يرتكبا إثم موالاة الاستعمار الفرنسي على المستوى الشخصي والسياسي، أو على مستوى المواقف التي هي مضامين التجربة الأدبية، ويقال الشيء نفسه عن محمد ديب ومولود فرعون ومولود معمري وآسيا جبار وغيرهم.

انطلاقا من هذه الاعتبارات فإن اللغات كألفاظ ونحو، وصرف، وبلاغة ليست استعمارية في حد ذاتها، بل إن مضامين الأدب هي التي تجعل منها استعمارية أو وطنية مقاومة.فالأدباء الجزائريون باللغة الفرنسية لا يعكسون الهوية الفرنسية ولا يمجدونها وإنما هم في صراع معها كما أنهم قد تمكنوا من إحداث تغييرات فيها مما جعلها “تنطق” بالكفاح التحريري الجزائري، وبذلك قد جعلوها تنقلب على أهلها المستعمرين، وسميت هذه العملية بعملية تحرير اللغة الفرنسية من الاستعمار.

وهنا نذكر الناقدة الأمريكية آنيا لومبا في قولها: “إن اختيار اللغة لا يمثل دوما وبوضوح مواقف إيديولوجية أو سياسية، وخاصة إذا كان هذا الاختيار يهدف إلى خدمة التحرر من الاستعمار ومخلفاته ومن كافة أشكال التخلف الذاتي في مرحلة ما بعد الاستعمار التقليدي”.

إن تعلم لغة أخرى والتفتح على ثقافات الآخرين أمر محمود لا شك فيه، ولكن ذلك يجب أن يكون في إطار ذي سيادة يضع اللغة العربية والأمازيغية في مكانتها الحقيقية ولعل أفضل مثال للتعامل مع الفرنكوفونية هو ما ورد عن الروائي  الراحل مالك حداد، الذي أتقن الفرنسية وكتب كل كتبه بها حيث يقول : أكتب باللغة الفرنسية لأقول للفرنسيين لست فرنسيا، وعندما استقلت الجزائر توقف عن الكتابة وباشر في ترجمة كتبه الى العربية بدلا من الصمت، تلك القطيعة الجريئة هي ما كانت تحتاجه الجزائر عشية الاستقلال، والفرصة مازالت متاحة لذلك .

رحمة بن مدربل