وعدة من أجل نزول المطر.. عادة متوارثة في منطقة القبائل
وطني

وعدة من أجل نزول المطر.. عادة متوارثة في منطقة القبائل

منذ قرون طويلة، تمتلك منطقة القبائل في ولاية تيزي وزو تقاليد ثرية وفريدة، ولعل “وعدة من أجل نزول المطر” واحدة من هذه التقاليد التي تأخذنا في رحلة إلى عالمها الخاص، إذ تعبر عن روح المشاركة والتضامن في المجتمع والتمسك بالعادات والتقاليد.

تعكس تراثًا ثقافيًا غنيًا ومميزًا، حيث تجتمع النسوة والعجائز مع الأطفال الصغار في القرى والمداشر بشكل دوري لأداء مسيرة تقليدية مختلفة، ويأتون محملين بقفة فارغة وقلوب مليئة بالأمل، فتقوم هذه الجماعة بالسير بهدف جلب المطر وإنعاش الأرض، ومن بين الأشياء التي تميز هذه المسيرة هو الغناء المشوق والمؤثر، حيث ينشدون أغاني تضم كلمة “انزار”، التي تعني طلب المطر، ويشير هذا النشيد إلى أهمية المطر في هذه المنطقة الجافة؛ وعندما يصلون إلى أي باب أو منزل في القرية، يتم وضع الخضار أو اللحم داخل القفة، ما يمثل مشاركة الثروة بين أفراد المجتمع، ثم يتم جمع ما تم وضعه في القفة، ويتم تحضيره بعناية، فتجتمع النساء حول الطهي ويطهون الأطعمة بأناملهن الماهرة، وبمجرد أن يكون كل شيء جاهزًا، يتم توزيع الأطعمة على سكان القرية، فيتمتع الجميع بوجبة لذيذة مجهزة بحب وعناية.

وفي بعض الحالات، يتم تناول الوجبة في نفس المكان حيث تم التحضير، والنساء يتجمعن حول الأطعمة ويتبادلن القصص والضحكات، ويُطلق على هذا التقليد اسم “وعدة من أجل نزول المطر”، حيث يعكس تضامن المجتمع وقيمه الثقافية المتجذرة في التعامل مع التحديات البيئية والزراعية، كما يمثل هذا التقليد لمحة عن التراث الثقافي الغني لمنطقة القبائل وكيفية تكيف السكان مع تحديات المناخ في هذه المنطقة الجافة ويعكس هذا النهج التقليدي روح التعاون والأمل في جلب الخير والخصب إلى أراضيهم من خلال طلب المطر باعتبارها جزءًا من تقاليدهم الثقافية والاجتماعية، وهي عادة تجمع بين الأجيال المختلفة وتمثل رمزًا للأمل والتضامن في وجه التحديات الجوية.

ويشكل هذا اليوم تجربة تجمع بين الأجيال وتمتد جذورها عميقًا في تاريخ القبائل، فهي طريقة لتعزيز الروح المجتمعية والمحافظة على تقاليد قديمة تنقل بين الأجيال؛ وفي هذا الإطار، تقول جقجيقة، وهي إحدى القبائليات: “علمني أبي وجدي أن التصدق يكثر من الرزق، إذ يقول جدي أنفقوا ترزقوا، ونحن نعمل على جمع  وطهي والتصدق بنية نزول المطر، وقد توارثنا هذه الوعدة من جيل إلى جيل، ويجب المحافظة عليها لأنها تعلم الجيل الصاعد معنى التضامن والتصدق والاعمال الخيرية، حيث تعلمنا أن نكون يدا واحدة في المحن وأن نتغلب على الصعاب ونتحدى الطبيعة، فتكون بنية نزول المطر”.

من جهتها، تقول فاطمة :”تعلمت من والدتي وجدتي أن الوعدة ليست مجرد تقليد ثقافي، بل هي عمل من أعمال الأمل والتضامن، إنها طريقة لتعليم الأجيال الجديدة قيم البقاء والتعاون، فعندما تجتمع نساء القرية في وعدة، نشعر بالانتماء إلى مجتمعنا بشكل أعمق، إنها لحظة تواصل وتفرح بها القلوب بانتظار هبوب الرياح ورحمة المطر، إذ تعلمنا أنه حتى في وجه الظروف الصعبة، يمكننا أن نجتمع كنساء ونحمل الأمل معًا. إنها تجربة ملهمة ومعبرة عن قوتنا كنساء”؛ وتقول حليمة: “عندما نقدم الوعدة، نقدم الحب والرعاية إلى من حولنا، فهي تجربة جميلة تجمع بين الناس وتجعلنا نفهم قيمة العطاء والتشبث بتقاليدنا، وأتمنى أن يتعلم أطفالنا من هذه الوعدة قيمة الاحترام للبيئة وأهمية المحافظة على الطبيعة، إنها درس قيمي للأجيال الصاعدة.”

طبيب خالدة