تماطـل الجزائـر في الدخـول إلـى المنظمة العالمية للفرنكوفونية تعد مكابرة من مسؤولين يراد بها تبييض وجوههم أمام الرأي العام
ثقافي

 تماطـل الجزائـر في الدخـول إلـى المنظمة العالمية للفرنكوفونية تعد مكابرة من مسؤولين يراد بها تبييض وجوههم أمام الرأي العام

^الكتابة الفرنكوفونية لقيت رواجا منقطع النظير، لكنها لا ترقى أبدا للغة القرآن

^ تدريس اللغة الإنجليزية بالابتدائي خطوة غير مدروسة

^الفرنكوفونية هي لغة الاقتصاد بالنسبة للجزائر لذا لا يمكن التنحي عنها

^ حاورته : كريمة ناصر

تطرق الكاتب، الشاعر والقاص محمد بوذيبة، من خلال الحوار الذي دار بينه وبين “السلام اليوم” الى عديد القضايا الهامة التي تعرفها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بحيث ان الفرنكوفونية حسبه تجذر وتعشعش وجودها في الجزائر ولا يمكننا باي شكل من الاشكال ان نتخلى عنها او نستبدلها، معتبرا بان غياب الجزائر عن عضوية المنظمة العالمية للفرنكوفونية ما هي الا مكابرة من قبل مسؤولينا الهدف منها تبييض وجوههم أمام الرأي العام، مسترسلا بان اللغة الفرنسية تعد بمثابة أداة ضغط على الجزائر، إذا ما تم الحديث على الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها هذه الأخيرة، كما وجد في قرار رئيس الجمهورية تدريس الإنجليزية فجأة، خطوة غير مدروسة الجوانب وجب التمعن والتمحص فيها جيدا.

كيف للجزائر التي سجلت انتشارا واسعا في اللغة الفرنسية، ألا تكون عضوة داخل المنظمة العالمية للفرنكوفونيين؟ ما هي أسباب الامتناع والرفض؟

طبيعي أن تسجل الجزائر انتشارا واسعا في استعمال اللغة الفرنسية والعمل بها في مختلف الإدارات العمومية والخاصة كونها كانت مستعمرة فرنسية لأزيد من قرن، وقد ترك الاستدمار الفرنسي الكثير من أذنابه ببلدنا، إذ ليس من السهل الاستغناء عن هذه اللغة رغم المحاولات البائسة التي قامت بها السلطة في وقت سابق والتي لم تتكلل بالنجاح، أم قضية عدم انضمامها إلى المنظمة العالمية للفرنكوفونيين، فهي مجرد مكابرة فقط أراد من خلالها المسؤولين على السلطة تبييض وجوههم أمام الرأي العام لا أكثر ولا أقل، فأسباب الامتناع لا تعدو أن تكون ذر للرماد في العيون والظهور بمظهر الرافض أمام الرعية الذي هو الشعب المغلوب على أمره والذي ينظر إلى السلطة على أنها ترفض اللغة الفرنسية، لكن في حقيقة الأمر فإن هذه اللغة متجذرة وبعمق في مكونات المجتمع الجزائري وفي مكونات السلطة التي تحكمه .

كيف ينظر محمد إلى الأدب الفرنكفوني؟ وهل لك تجربة معه؟

الادب الفرانكفوني لقي رواجا كبيرا منذ سنوات وهو ما لا يمكن إغفاله، خاصة ما تعلق بالرواية فكثير من الروائيين الجزائريين نجحوا في كتاباتهم، والسبب يرجع بالأساس إلى الإعلام والإشهار والترويج وبعدها تزايد نسب المقروئية أحيانا كثيرة لا يكون بسبب جودة العمل، غير أنني أميل للكتابة باللغة العربية كونها لغة الشعر والإبداع ولا اتخيل أن أكتب قصيدة يوما باللغة الفرنسية، فلدي أيمان عميق باللغة العربية التي أراها لغة الشعر والإبداع وهذه طبعا قناعة شخصية.

هل يمكننا القول بأن الجزائر وجدت البديل في اللغة الانجليزية، وهو ما دفع بها إلى إدراجها هذه السنة للتعليم في الطور الابتدائي؟  هل أصاب الرئيس عبد المجيد تبون في طرحه، أم أن الوقت لا يزال مبكرا على ذلك؟

لا لا  أبدا لن تكون يوما اللغة الانجليزية بديلا حقيقيا للغة الفرنسية والسنوات القادمة ستثبت ذلك بدون شك، فهذه الخطوة البائسة لا تعدو ان تكون سوى انتفاضة ظرفية قامت بها السلطة والمسؤولين على قطاع التربية للرد على بعض الممارسات وبعض التصريحات من الجانب الفرنسي لا أكثر ولا أقل، والدليل على ذلك أن اللغة الفرنسية ما زالت تدرس بالتوازي مع اللغة الانجليزية، وستبقى اللغة الأجنبية رقم واحد في الجزائر والدليل على ذلك ان الكثير من الإدارات والمؤسسات مازالت تعتمد على اللغة الفرنسية في مراسلاتها وفي مختلف أعمالها الإدارية فلا يغرنك هذا التصرف غير المدروس من قبل الهيئات المختصة، أما بالنسبة لطرح الرئيس عبد المجيد تبون، فهو أكيد صائب بيد انه بحاجة إلى دراسة وتمحيص عميقين، حيث قد يمتد هذا الامر إلى عدة سنوات وليس فجأة بين عشية وضحاها .

ما هي أهداف الفرنكوفونية الخفية والمعلنة ومخاطرها حسب منظوركم؟

أهداف الفرنكوفونية في الجزائر واضحة للعيان، وهي جعل اللغة الفرنسية هي السيدة بين جميع اللغات الأجنبية، وهي بذلك تصبح بمثابة أداة ضغط على المسؤولين من أجل تعزيز اللغة الفرنسية ولو بطريقة خفية غير معلنة، فالقضية عميقة جدا كما نعلم، ولا يمكن التخلي عن لغة عشعشت لأزيد من قرن كامل بين أفراد الشعب الجزائري وتشربوا منها ومن ثقافتها وبين دواليب السلطة .

هناك مقولة تقول بان “الفرنكفونية في الجزائر سبب في اغتيال اللغة العربية”، إلى أي مدى تشاطرونهم الرأي؟

أنا أرى أن هذه المقولة صحيحة إلى حد بعيد، كون اللغة الفرنسية مازالت سيدة في العديد من الممارسات والاعمال والمناشير والمراسلات وحتى استعمالها في الحديث من قبل المسؤولين بالدولة أنفسهم، فكيف تحارب لغة وتتكلم بها أمام الكاميرات أليس هذا من العار .

ما هي افاق العلاقة بين الجزائر والمنظمة الفرنكوفونية، في ظل ما بات يعرف بالمفهوم الجديد للفرنكوفونية بصفتها عامل للتقارب والتنمية المشتركة عوضا عن علاقة الهيمنة والخضوع؟

العلاقة بين الجزائر والمنظمة الفرنكوفونية هي علاقة وطيدة جدا، ليس لان الدولة خاضعة، ولكن لأن اللغة الفرنسية متجذرة في مكونات السلطة في حد ذاتها ومن الصعب التخلي عن لغة تعشعش في العديد من الإدارات وحتى الوزارات ورئاسة الجمهورية في حد ذاتها .

حسب رأيكم، لماذا غابت الجزائر عن القمة الفرنكوفونية التي أقيمت مؤخرا بالشقيقة تونس؟

غابت بسبب الانتفاضة الاخيرة ضد اللغة الفرنسية لا أكثر ولا أقل، حيث ان هذه القمة جاءت في وقت تظاهرت السلطة بمحاربة هذه اللغة، وتظاهرت بوجود بديل حقيقي للغة الفرنسية وهو اللغة الإنجليزية، لكن في حقيقة الأمر فان الحديث عن بدائل اللغة الفرنسية مازال سابق لأوانه وهو في حاجة إلى دراسة عميقة من مختلف الخبراء في الميدان وليس مجرد كلام سرعان ما ينمحي ويزول بسبب الضغوط الكبيرة التي تمارسها السلطات الفرنسية سواء في العلن أو في الخفاء على نظيرتها في الجزائر، فليس من السهل التخلي عن هذه اللغة في ظل العلاقات الجيدة التي تربط الدولتين .

حسب آخر تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، التي تفيد بان اللغة الفرنسية تتراجع في منطقة المغرب العربي، ما هو السبب الحقيقي الذي لم يعلن عنه الرئيس حسبكم ؟  وهل للزيارات المتكررة للرئيس ماكرون ووزرائه للجزائر علاقة بذلك ضمنيا؟

أشاطره الرأي في ان اللغة الفرنسية قد تراجعت في دول المغرب العربي، وهذا امر طبيعي بسبب رحيل الكثير والكثير من ديناصورات فرنسا في هذه الدول، والتي كانت تدافع بشراسة عن اللغة الفرنسية وجعلها في المقدمة، غير ان الجيل الجديد من الشباب يرفض هذه الوصاية ويصر على تعريب الدولة، اما الزيارات فهي امر لابد منه للدفاع عن لغتهم وضمان سيرورتها.

الفرنكوفونية تعد أيضا فضاء اقتصاديا، من شأنه أن يخدم مصالح الجزائر، ما قولكم؟

بكل تأكيد فهذا الامر لا يمكن نكرانه أبدا، فالاقتصاد الجزائري يعتمد بنسبة كبيرة عن فرنسا وهذه حقيقة واضحة للعيان، ولهذا فإن الدولة والمسؤولين متشبثون جدا بالفرنكوفونية فهي تعد لغة رزق بالنسبة للجزائر.

ما هي الرهانات الجيوسياسية للفرنكوفونية في الجزائر؟

من وجهة نظري، فانا لا اجد رهانات حقيقية للتخلص من لغة تعتبر منافسة للغة العربية أساسا، أما المحاولات التي تظهر من حين لآخر فهي مجرد انتفاضات ظرفية صنعها الراهن السياسي او الاقتصادي لا اكثر ولا اقل.

هناك جفوة في الجزائر بين الأدباء الفرنكوفونيين والأدباء الذين يكتبون بلغة الضاد ماهي أسباب هذه الجفوة؟

فعلا هناك جفوة بين الكتاب الفرانكوفونيين وغيرهم المعربين من الأدباء والشعراء والروائيين، ويرجع ذلك في الأساس إلى القناعات والمبادئ لدى كل جهة فالمعربين يدافعون عن لغتهم العربية ويتشبتون بها أولا كلغة وثانيا كلغة الإسلام وثالثا كلغة كتابة وإبداع ورابعا نكاية في اللغة الفرنسية التي لا زال يعتبرها بعضهم بانها لغة المستعمر، أما الفرنكوفونيين المتشبعين بالثقافة الفرنسية في حقيقة الامر، هم لا يملكون بديلا واضحا كونهم لا يتقنون الكتابة باللغة العربية أساسا، وثانيا دفاعا عن قناعاتهم في اختيار اللغة الفرنسية .

ممكن تعطينا تحليلك للفرنكوفونية بين دول المشرق والمغرب؟

هناك فجوة كبيرة بين دول المغرب ودول المشرق فيما يخص الفرنكوفونية، فدول المغرب العربي أكثر ايمانا وتشبثا باللغة الفرنسية، كونها لغة المستعمر وتأثرهم بها واضح للعيان هذا أولا، وثانيا فهي اللغة التي تستعمل بكثرة في مختلف مؤسسات الدولة، أما اذا ما تمت مقارنتها بتلك الموجودة في دول المشرق فإننا نجدهم يؤمنون باللغة العربية أكثر ويستعملونها أكثر بكثير، نظرا للتوجهات السياسية لدولهم وقناعات ساستهم، على غرار العراق وسوريا.