هذا هو بومدين الذي هندس لدولة لا تزول بزوال الرجال
ملحق

هذا هو بومدين الذي هندس لدولة لا تزول بزوال الرجال

 

هو واحد من أبرز رجالات السياسة بالجزائر في النصف الثاني من القرن العشرين، زعيم عربي وأحد رموز حركة عدم الانحياز، لعب دورا هاما على الساحتين الإفريقية والعربية، وكان أول رئيس من العالم الثالث يتحدث في الأمم المتحدة عن نظام دولي جديد، هو الرئيس الراحل هواري بومدين، شخصية كتبت اسمها بأحرف من ذهب في سجل التاريخ، كيف لا وهو أول من وضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة وعبد الطريق لحركات التحرر في العالم .

ولد محمد إبراهيم بوخروبة، شهر أوت سنة 1932، بمدينة قالمة شرق الجزائر، ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة ماديا، دخل المدرسة القرآنية  في القرية التي ولد فيها، وكان عمره آنذاك 4 سنوات.

رفض خدمة العلم الفرنسي منذ الصغر 

عندما بلغ  الراحل بومدين سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة 1938 في مدينة قالمة، يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت يلازم كتاب الله حتى ختم القرآن الكريم وأصبح يدرّس أبناء قريته القرآن الكريم واللغة العربية وذلك  قبل أن يتوجه إلى المدرسة الكتانية في قسنطينة ويلتحق بمدارس قسنطينة معقل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رفض هواري بومدين خدمة العلم الفرنسي، حيث كانت السلطات الفرنسية تعتبر الجزائريين فرنسيين ولذلك كانت تفرض عليهم الالتحاق بالثكنات الفرنسية لدى بلوغهم سن الثامنة عشر وفرّ إلى تونس سنة 1949 والتحق في تلك الحقبة بجامع الزيتونة الذي كان يقصده العديد من الطلبة الجزائريين، ومن تونس انتقل إلى  القاهرة سنة 1950 حيث التحق بجامع الأزهر الشريف حيث درس وتفوق.

مع اندلاع الثورة الجزائرية في 01 نوفمبر 1954 انضم إلى جيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية وتطورت حياته العسكرية منذ سنة 1956 أين أشرف على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية إلى غاية سنة 1960 اين أشرف على تنظيم جبهة التحرير الوطني عسكريا ليصبح قائد الأركان، ثم وزيرا للدفاع في حكومة الاستقلال سنة 1962 ونائب رئيس الوزراء سنة 1963 دون أن يتخلى عن منصبه كوزير للدفاع، وفي 19 جوان 1965 قام هواري بومدين بما يسمى بالتصحيح الثوري  أطاح بالرئيس احمد بن بلة.

ترتيب البيت الداخلي بعد نيله الحكم سنة 1965 

حكم بومدين من 19 جوان 1965  إلى غاية ديسمبر  1978فتميزت فترة حكمه بالازدهار في جميع المجالات خاصة القطاع الزراعي، كما قام بتأميم المحروقات وأقام أيضا قواعد صناعية كبرى، وكان في أول الأمر رئيسا لمجلس التصحيح الثوري قبل انتخابه رئيسا للجمهورية الجزائرية عام 1975.

 بعدما أن تمكن هواري بومدين من ترتيب البيت الداخلي، شرع في تقوية الدولة على المستوى الداخلي وكانت أمامه ثلاث تحديات وهي الزراعة والصناعة والثقافة، فعلى مستوى الزراعة قام بومدين بتوزيع ألاف الهكتارات على الفلاحين الذين كان قد وفر لهم المساكن من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين وأجهز على معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون، وأمدّ الفلاحين بكل الوسائل والإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها. .

الثورة الزراعية ومحاولة الحفاظ على الأراضي الفلاحية 

ازدهر  القطاع الزراعي في عهد هواري بومدين واسترجع حيويته التي كان عليها أيام الاستعمار الفرنسي عندما كانت الجزائر المحتلة تصدّر ثمانين بالمائة من الحبوب إلى كل أوروبا، وكانت ثورة بومدين الزراعية خاضعة لاستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على الأراضي الزراعية المتوفرة وذلك بوقف التصحر وإقامة حواجز كثيفة من الأشجار الخضراء السد الأخضر بين المناطق الصحراوية والمناطق الصالحة للزراعة وقد أوكلت هذه المهمة إلى الشباب الجزائريين الذين كانوا يقومون بالخدمة الوطنية.

تدشين عهد الصناعات الثقيلة وتأميم المحروقات 

وعلى صعيد الصناعات الثقيلة قام هواري بومدين بإنشاء مئات المصانع الثقيلة وبعضها لازال يشتغل إلى غاية اليوم، كمصنع الحجار، ومن القطاعات التي حظيت باهتمامه قطاع الطاقة، ومعروف أن فرنسا كانت تحتكر إنتاج النفط الجزائري وتسويقه إلى أن قام هواري بومدين بتأميم المحروقات الأمر الذي انتهى بتوتير العلاقات الفرنسية –الجزائرية، وقد أدى تأميم المحروقات إلى توفير سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية والزراعية، وفي سنة 1972 كان هواري بومدين يقول إن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف وستصبح يابان العالم العربي .

كما عمل بومدين على القضاء على النزوح الريفي، وبناء طريق الوحدة الإفريقية، محو الأمية، مجانية وديمقراطية التعليم، مجانية العلاج، دفع عجلة التعريب، بناء مركبات سياحية رائعة كمركبي مدينة تيبازة، بناء مركبات رياضية كمركب 5 جويلية، بناء السد الأخضر.

تأميم المحروقات .. قرار حاسم في تاريخ الدولة 

يعد قرار تأميم المحروقات إحدى القرارات المهمة والحاسمة في تاريخ الدولة الجزائرية الذي اتخذته خلال خمسين سنة تقريبا أي في : 24 فيفري 1971، وقد أدى ذلك إلى فك قيود التبعية الاقتصادية، وذلك بتحرير قطاع المحروقات من التبعية المتزايدة للدولة الفرنسية، من خلال عملية استكمال الاستقلال الاقتصادي تبعا للاستقلال السياسي، وبالتالي تحقيق السيادة الفعلية على الثروات النفطية والغازية على حد سواء، وقد ابقي القرار منذ تلك الفترة إلى غاية اليوم بالنص على أهم مبدأ في القانون المتمثل في القاعدة 51/49 التي تعطي لسوناطراك الحصة الغالبة في كل مشروع استثماري بالشراكة مع الشركات الأجنبية

السد الأخضر…… وأكثر مشروع طموح 

السّد الأخضر هو مشروع بيئي زراعي لتشجير السهوب الجزائرية، ولمكافحة زحف الصحراء يعد هذا من أكثر المشاريع طموحاً التي نفذتها الجزائر في عهد بومدين، كان الهدف منه إقامة شريط نباتي من الأشجار من الشرق إلى الغرب قصد وقف زحف الصحراء إلى الشمال ووقف ظاهرة التصحر إلا أن المشروع شهد التوقف ولم يستكمل إلى يومنا هذا بعد وفاة صاحب فكرة المشروع الراحل هواري بومدين. 

طوله 1700 كيلومتر على عمق تجاوز في بعض الأحيان 400 كيلومتر كان لهذا السد دور في نشوء 400 قرية نموذجية جديدة، والحد من هجوم الصحراء على المناطق الحضرية، كان منطلق التفكير في هذا المشروع سنة  1967م عندما لاحظ المسؤولون آنذاك تسارع زحف الرمال نحو الشمال بنسبة مذهلة مهددا الأراضي الخصبة القليلة التي كانت تستغل في الزراعة والتي لم تسلم بدورها من همجية الاستعمار، حيث عكف الاحتلال في استراتيجيته التدميرية على القضاء على كل ما هو أخضر في المنطقة استجابة لحاجيات الحرب.

كان يهدف هذا المشروع إلى أهداف أخرى تتمثل أساسا في تشجير حزام طولي مساحته 3 ملايين هكتار، يمتد من الحدود الشرقية إلى الغربية بعمق 20 كلم ويعبر عدة ولايات أهمها  الجلفة، باتنة، خنشلة، المسيلة، البيض، الأغواط، سعيدة، النعامة، وهذا بصدد إعادة التوازن الإيكولوجي وحماية الغطاء النباتي الموجود، ولا يمكن فصل الأهداف الطبيعية عن الاجتماعية، حيث كان المراد منه أيضا القضاء على البطالة والعزلة التي كان يعيشها غالبية سكان تلك المناطق.

وضع حينها الرئيس الراحل هواري بومدين على عاتق أفراد الجيش الوطني الشعبي الجزائري الفتي مسؤولية السهر على إنجاز هذا المشروع العملاق، حيث جنّد له أكثر من 21 ألف جندي تداولوا على فترات في غرس كميات هائلة من الشجيرات، كما ساهمت عمليات التطوع التي كان يقوم بها أفراد من المجتمع المدني في الإسراع من وتيرة الغرس، وقد حقق هؤلاء إنجازا معتبرا بفعل تشجير ما مقداره 510 ألف هكتار.

مركب الحجار عروس الصناعات الثقيلة 

يعد مركب الحجار للحديد والصلب أكبر إنجاز اقتصادي حققته الجزائر، ويتربّع “العملاق” على مساحة إجمالية تقدر بـ800 هكتار في إقليم بلدية سيدي عمار بولاية عنابة، بطاقة إنتاج نظرية تبلغ مليوني طن من الفولاذ السائل، ووصل عدد عماله سنة 1982 إلى 27 ألف عامل، ليتقلّص العدد لاحقا بسبب العديد من الظروف والتغييرات.

لعل أهم المحطات التي تأثر بها “عملاق” الصناعة الوطنية، ما وقع خلال الفترة الممتدة بين 1997 و2000 عندما اختار 7 آلاف عامل الذهاب الطوعي، فقد ارتفعت ديون المركب لتبلغ 60 مليار دينار مع نهاية سنة 2000؛ الأمر الذي دفع الحكومة الجزائرية إلى التوقيع في 18 أكتوبر 2001 على اتفاق الشراكة مع الأجانب كخيار أمثل لإنقاذ مركب الحجّار من الغلق، وحماية مصدر قوت أكثر من 10 آلاف عامل آنذاك.

وضع الحجر الأساسي لبناء المركب الرئيس الأسبق أحمد بن بلة سنة 1964، وانطلق المشروع سنة 1965 على يد الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث دشن وحدتي الفرن العالي رقم 1، والوحدة الحلزونية يوم 19 جوان 1969، وفي أواخر سنة 1978 شرع في إنجاز مشروع التوسع الذي يشتمل على مختلف الوحدات المتواجدة على مستوى المركب، وانتهى بوضع المخطط الإداري للصيانة، تم على إثره توظيف آلاف الشباب، خاصة المتخرجين من مراكز التكوين الثلاثة التابعة للمؤسسة الوطنية للحديد والصلب، تبعا لسياسة التشغيل المنتهجة حينذاك، ووصل عدد العمال حدود 27 ألف عامل على مستوى التراب الوطني، حيث بلغ الإنتاج 700 ألف طن من الفولاذ السائل، ليرتفع في غضون 3 سنوات إلى 1.5 مليون طن سنة 1985، كأكبر نتيجة سجلت في تاريخ المركب بفعل توفر جميع الإمكانيات، بما فيها المساعدات التقنية للمتعاونين الأجانب.

ثم عرف الإنتاج هبوطا حادا في السنوات الثلاث الموالية ليبلغ 700 ألف طن سنة 1988 بسبب تقلص المساعدات التقنية للأجانب الذين انتهت مدة عقودهم، وتأثير الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الجزائر سنة 1986، والتي أدت إلى توقيف استيراد قطع الغيار، ما أدى إلى التوقف الجزئي لبعض ورشات الإنتاج، إضافة إلى كبر حجم المركب وتوزع فروعه، ما صعب من التحكم في مهام التسيير.

 

أول زعيم يدعو إلى تبني نظام دولي جديد 

إجمالا كانت علاقة الجزائر بكل الدول وخصوصا دول المحور الاشتراكي حسنة للغاية عدا العلاقة بفرنسا وكون تأميم المحروقات يعد من جهة مثالا لباقي الدول المنتجة يتحدى به العالم الرأسمالي الامبريالي جعل من الجزائر ركنا للصمود والمواجهة من الدول الصغيرة، كما كانت الثورة الجزائرية درسا للشعوب المستضعفة، علما انه بعد المؤتمر الأفروأسيوي في يوم 3 سبتمبر 1973 يستقبل بومدين في الجزائر وفي العالم الثالث كزعيم وقائد واثق من نفسه بعد مطالبته بنظام دولي جديد أصبح يشكل تهديدا واضحا للدول المتقدمة.

كما عرفت الدبلوماسية الجزائرية الريادة في المنطقة العربية والإفريقية وبصفة عامة في العالم الثالث، حيث تزعمت الجزائر حركة عدم الانحياز ودعت لنظام اقتصادي عالمي جديد على لسان بومدين الذي كان أول رئيس عربي يتكلم العربية في الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد العربي، أوصلت الجزائر بزعامة بومدين، ياسر عرفات للأمم المتحدة حين كانت تترأس دورتها وخطب بها عرفات بعد أن كان يعتبر خارجا عن القانون، ولعبت حينها دورا حاسما في الحروب العربية الصهيونية وخاصة في حروب الاستنزاف وحرب 1973

إعداد : طاوس.ز