فلسطين لم تعد وكرا آمنا للصهاينة
الاولى الحــدث دولي

فلسطين لم تعد وكرا آمنا للصهاينة

ما بعد “السنوار” كما ما بعد “نصر الله”

لعل أغرب ما كشفت عنه عملية “طوفان الأقصى” التي استشهد مهندسها القائد القسامي يحيى السنوار، وسيزيد استشهاده كتائب القسام قوة وصلابة وعزيمة، هو الموقف المنافق للإدارة الأمريكية، وجميع من يدور في فلكها، من حلفاء بخاصة بعض العرب منهم، التي ما إن اندلعت الحرب بشكل رسمي على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، حتى تناست إدارة بايدن كل ما يتعلق بقطاع غزة، بما فيه اليوم التالي وملف الأسرى، وبخاصة السياسة الإجرامية التي انتهجها العدو الصهيوني بما يتعلق بشمال القطاع، لجهة تطبيق ما يسمى” خطة الجنرالات”، القاضية بتفريغ شمال القطاع، تمهيدا لإعلانه منطقة عسكرية، بانتظار وصول دونالد ترمب للبيت الأبيض، بغية ضم تلك المنطقة إلى دولة الكيان الصهيوني.

تلقفت إدارة الرئيس بايدن خبر الإعلان الرسمي الصهيوني عن مقتل يحيى السنوار، في منطقة تل السلطان في رفح، التي أعلن الصهاينة سابقا، انتهاء العمليات العسكرية فيها، وما نجم عنه من سحب الفرقة الصهيونية إلى الجبهة الشمالية، حتى عادت للحديث مجددا عن غزة، وفتح ملف الأسرى الصهاينة لدى القسام، وتصر الإدارة الأمريكية على وصفهم “بالرهائن”، دون الحديث ولو بإشارة إلى آلاف الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الصهاينة، والإعلان عن قدوم وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة لهذه المهة، بعد زعمهم أن السنوار كان عقبة كأداء في وجه صفقة التبادل، والسؤال الذي يخشى الجميع طرحه، يتعلق بأسباب اختيار الشهيد السنوار، من طرف المكتب السياسي لحركة حماس، خليفة للشهيد إسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران، حيث جمع السنوار في شخصه القيادة العسكرية مع القيادة السياسية، وتلك كانت خطوة ذكية من طرف قادة حماس، باعتبار لغة الميدان هي التي تتحكم بمفاصل أي حل سياسي، وقد يكون هذا صحيحا إلى حد ما، ولكن ليس لحركة مقاومة أيديولوجية، ترى في الاستشهاد رفعة وهدفا ومرتبة لا تقل بدورها عن تحقيق النصر، وقد اعتاد رجال الثورة الفلسطينية سابقا، أن ينهوا خطاباتهم بقولهم “وإنها لثورة حتى النصر” لكن القسام ابتكرت جملة جديدة، تتماثل مع طبيعة المرحلة والتوجهات، مفادها، “وإنه لجهاد نصر أو استشهاد”، فصارت الشهادة هنا خيارا مطلوبا ويستحق القتال من أجله، وقد كثرت الأسئلة والترجيحات عمن سيخلف السنوار في قيادة الحركة، وأي مصير للحركة بعد السنوار، ولعل هؤلاء لا يقرأون الوقائع والمعطيات كما ينبغي الحال، ولنا في حزب الله ومصير قياداته الأولى خير مثال على ذلك، فهل انتهى حزب الله بعد اغتيال قادته السياسيين والعسكريين، وبدرجة أقل راديكالية، هل كان حزب الله ضعيفا مترهلا ومترددا، بعد الاغتيال، أم أنه ازداد صلابة وقوة وتأثيرا؟.

الإجابة سهلة وقد كشف عنها سير العمليات العسكرية، التي دخلت أسبوعها الثالث على الجبهة اللبنانية وما زال الدخول البري الصهيوني يراوح مكانه، وهذه دلالة قوية على أن حزب الله الذي كان يدرس خطواته بحذر كبير قبل استشهاد السيد حسن نصرالله، بات أكثر قوة وإيلاما، على تعبير نائب الأمين العام نعيم قاسم، بل وتجذرت المواقف العسكرية أكثر، فلم تعد جبهة لبنان مساندة لغزة فقط، بل أصبحت جبهة بحالها، وتخوض حربا حقيقية، ظهر فيها واضحا العجز العسكري الصهيوني عن تحقيق أي إنجاز على الأرض يمكن التباهي به، لأن رئيس وزراء العدو الصهيوني نتانياهو يحب التباهي والتفاخر كثيرا، بما يحقق من إنجازات ضد من سماهم “محور الشر”.

ولنا أن نسأل، وفق معطيات تاريخية، هل خبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي عرفت بانتفاضة أطفال الحجارة، باستشهاد القائد خليل الوزير أبو جهاد؟. وهل انتكست حركة حماس باستشهاد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين ومن تبعه من قادة؟. وهل تراجع حزب الله بعد استشهاد أمينه العام السيد الموسوي؟.

وقبل ذلك أيضا، هل تراجع ثوار نوفمبر باستشهاد القائد ديدوش مراد واستشهاد القائد عميروش والقائد مصطفى بن بولعيد والشهيد زبانة وبن مهيدي وغيرهم؟.

لا شك أن الإجابة ستكون صادمة ليس للصهاينة، المفروغ من أمرهم، وإنما لبعض حلفائهم من دول المنطقة، الذين رهنوا كل بضاعتهم للقضاء على محور المقاومة.

تجديد القيادات

نعم، وبملء الفم كما يقال، إن الثورات تجدد شبابها باستشهاد قادتها، فقد صار حزب الله أشد بأسا وضراوة من ذي قبل، ولا يعني هذا أن الحزب كان ضعيفا ثم استقوى، ولكنه وصل إلى قناعة، طالما طالب بها مؤيدو محور المقاومة، بأنه لا يجب الركون إلى الوعود الأمريكية التي تعد غطاء مخادعا للخطط الصهيونية، وأثبتت الأحداث اللاحقة صدقية وأحقية هذا الرأي، ولا نقول بعد فوات الأوان، لأن المعركة طويلة، ولم تظهر تداعياتها بعد، بل إن العدو وحلفائه كفوا منذ فترة عن تكرار التساؤل حول “اليوم التالي”، وكأن السؤال عن وماذا بعد؟. من العبث طرحه أمام تدحرج الأحداث وتصاعدها، وما تكشف عنه تحديثات الأنباء تؤكد صحة هذا التوجه، وإلا كيف نفسر خبر الإعلان عن اكتشاف سيارات نقل بيضاء على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، تشبه إلى حد بعيد تلك التي استخدمها رجال القسام في موقعة السابع من أكتوبر، ثم الحديث عن رجال مقاومة تسللوا إلى أغوار فلسطين المحتلة وورود أخبار عن اشتباكات مع حرس الحدود الصهاينة في تلك المناطق؟.

فمن أين تسلل هؤلاء وما هي هويتهم، والأرجح أنهم جاؤوا من سوريا أو من العراق، وأن المعركة ستنقل وبالضرورة إلى جبهات أخرى، ولا ينبغي التعجل في إطلاق الأحكام، واستعجال النتائج، والمعركة الفاصلة لم تكد تبدأ بعد، وهنا قد نتهم بالتهويل والمكابرة، خاصة بعد التدمير الشامل لمعظم قطاع غزة، والضاحية الجنوبية ومناطق الجنوب اللبناني، والحق يقال ليس في الأمر أي تهويل أو تجديف، وهذا يتعلق بالمعيار الذي قد يعتمده المحللون والمراقبون، وما يتعلق أيضا بقناعات المقاتلين أنفسهم، فهؤلاء لا يتعجلون النصر، ويعلمون تمام المعرفة أن المعركة لم تزل طويلة، وأنها ستؤدي بالنهاية إلى حرب لا أقول ثالثة، لأن الحربين الأولى والثانية لم تكن حروبنا، وإنما هي حروب الأوروبيين بين بعضهم البعض.

حرب فاصلة

قد تكون هذه هي الحرب العالمية الأولى الحقيقة، لطالما كان الصراع على مناطق الثروة والجغرافيا والتاريخ المتحكمة في العالم، وقلبها، وهو ما يسمى خطأ بالشرق الأوسط، وفي الحق هو الشرق الأدنى الذي سيدني من نهايات كثير من القوى، والسؤال الجوهري هنا يتعلق بالعدو الصهيوني نفسه، فكم أنجز هذا العدو من انتصارات تكتيكية حتى الآن، مقارنة بسقف الأهداف الذي وضعه هؤلاء من حربهم في غزة ولبنان واستهدافهم لإيران واليمن والعراق؟.

أعلن القادة الإيرانيون، أن استشهاد السنوار في قطاع غزة “سيعزز روح المقاومة” بهدف تحرير الأراضي المحتلة، و”سيصبح نموذجا للشباب والأطفال الذين سيواصلون الطريق نحو تحرير فلسطين. وطالما استمر الاحتلال والعدوان، فإن المقاومة ستستمر”. وهذا يعني بالضرورة أن لدى قادة طهران نفس القناعة بأن المعركة طويلة، وسوف يشتعل إوارها أكثر في المستقبل.

وليس في الأمر مبالغة، فقد تمثلت أهداف العدو المعلنة في القضاء على قوة حماس العسكرية واستعادة الأسرى وتأسيس سلطة جديدة في غزة، وكذا نزع قدرات حزب الله وإخراجه من المعادلة اللبنانية، تمهيدا لتأسيس شرق أوسط جديد، بالإضافة إلى تحجيم إيران وتقزيمها، مع إلغاء نهائيا ما يوصف “بمحور المقاومة” وهذه أهداف أكثر من جامحة، ويصعب الوصول إليها إلا في أحلام اليقظة، والظاهر أن قادة العدو الصهيوني المدعومين من الإدارة الأمريكية بغض النظر عن رئيس البيت الأبيض، وبعض الحلفاء معهم من دول الغرب ودول المنطقة، قد استفاضوا وأكثروا من أحلام اليقظة، وكما يؤكد المحللون النفسانيون، فإنه كلما كثرت أحلام اليقظة فذلك يعني بالضرورة شدة المأزق الذي يعاني منه الحالم.

لا تبحثوا عمن سيخلف السنوار، ولا ترهقوا أنفسكم باختراع مبررات لهمجية العدو وبأس الحرب، فإن حسابات الحق لن تتوافق أبدا مع توقعات الكفار، ومن زرع الجريمة لن يحصد إلا زرعه، وكلما رفع العدو من سقف أهدافه، فذلك مؤشر على قرب نهايته، وما يمكننا الجزم به، ولا خلاف حوله حتى الساعة، إن فلسطين لم تعد وكرا آمنا للصهاينة، ولمن يشك عليه أن يسأل الفرنسي الذي رحل مرغما بعد قرن وثلث القرن، من ثورة لم يتجاوز عمرها ثماني سنوات.

بقلم/ كفاح جرار