المؤرخ مغدوري لــ”السلام اليوم”: “لسنا بحاجة إلى قانون تجريم الإستعمار لأنه في حد ذاته جريمة”
الاولى الحــدث حوارات وطني

المؤرخ مغدوري لــ”السلام اليوم”: “لسنا بحاجة إلى قانون تجريم الإستعمار لأنه في حد ذاته جريمة”

أوضح البروفيسور، حسان مغدوري، المختص في تاريخ الجزائر المعاصر، أن الجزائر ليست في حاجة إلى سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي، لأنه برمته يمثل جريمة سواء في الضمير الجمعي الإنساني أو في إطار القوانين المعمول بها في المجتمع الانساني بشكلعام، مضيفاأن الجزائريين كانتلهم مساهمة جبارة في بناء فرنسا المعاصرة. وتطرق مغدوري إلى نقاط عدة نتعرف عليها في هذا الحوار الذي خص به جريدة “السلام اليوم“.

 

حاورته: حورية زوبيري

 

عشية الذكرى الـ 70 لإندلاع الثورة التحريرية لا يزال ملف الذاكرة يراوح مكانه ودائما ما يكون سببا رئيسيا وراء تشنج العلاقات الدبلوماسية الجزائرية الفرنسية كيف تعلقون على الأمر؟

العلاقات الجزائرية الفرنسية بدأ يشوبها الاضطراب منذ الغزو الأول سنة، 1830 أين مرت الجزائر بمرحلة مثقلة بالمآسي والملفات المتعلقة بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وللأسف بعض هذه الآثار لا زالت سارية إلى يومنا هذا، ولعل أخطر ما خلفته هذه المرحلة هي المغالطات التي زرعها المؤرخون الفرنسيون على مسار كتابة التاريخ الوطني من إنتاج خطاب مزيف يستند إلى نظرية الجزائر فرنسية، وهذا النوع من السردية الخطابية في التاريخ لا زالت مستمرة لدى الاعلام الفرنسي بشكل عام وهي أكثر بروزا  لدى اليمين المتطرف في فرنسا. بالمقابل فإن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون صرح في العديد من المناسبات أنه لا تنازل ولا مساومة فيما يتعلق بملف الذاكرة باعتبارهاأداة لوعي الذات وتحديد انتساب الهوية هذا ما يدفع الجزائر للتمسك دوما بهذا الملف من منطلق أنه يعبر عن كيان الدولة الجزائرية ووجودها، وما نلاحظه اليوم أن الفرنسيين لا يريدون الاعتراف بهذه الحقبة التي عطلت المسار الحضاري للجزائر وهذا يعتبر أكبر عامل يقف حائلا أمام حلحلة العلاقات الجزائرية الفرنسية.

الجدير بالذكر أنه ثمة تيارات يمينية في فرنسا تشتغل منذ 1962 على عرقلة أي تقارب بين الشعبين الجزائري والفرنسي وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى اللوبي المتطرف الذي يمثل امتدادا للأقدام السود والممثل خاصة في قدماء ما يعرف بالمنظمة السرية، هؤلاء سعوا جاهدين الى تأسيس جمعيات في مناطق متعددة من فرنسا مازالت تحن للماضي الإستعماري وتعتقد أنها تملك حقوقا ضائعة في أرض الجزائر، وأول جمعية أنشئت كانت سنة 1967 بباريس واستمر تحالف هذه الجمعيات وهي تقايض أثناء المناسبات الانتخابية المرشحين من أجل تقديم الدعم  مقابل الاعتراف لها بالامتيازات التي تدعي بأنها ستحصل عليها بكل الطرق المشروعة،  وأول من أسس النواة الاولى لهذه الجمعية سنة 1967 هو” راوول سالون ” الذي يعتبر أحد رواد المنظمة العسكرية السرية الفرنسية، وأمثال هؤلاء يقفون كلوبي ضاغط على القرار السياسي في فرنسا وكلما نتجتقارب وظهرت بوادر الإنفراج في العلاقات الثنائية، كلما خرجت فرنسا بقرارات غريبة كونها خرجت من مخابر هذه اللوبيات.

هذا بالإضافة إلى ملفات أخرى عالقة على مستوى الذاكرة تتعلق بحروب الإبادة التي قامت بها فرنسا في القرن 19 منها ما يخص الجزائريين المنفيين الى كاليدونيا الجديدة وإلى مناطق متعددة من العالم،ناهيكعن مختلف التجارب التي قامت بها فرنسا في الجزائر والتي لا نملك وثائق رسمية عنها، وملف المهاجرين الذين نفيوا قصرا الى فرنسا وتم استغلالهم وكان لهذه الفئة المهاجرة فضلا كبيرا على العمران الفرنسي وكل المنشآت الارتكازية في فرنسا التي أنشئت بسواعد المهاجرين وهم كذلك لا نملك وثائق عنهم لأن معظمالوثائق مرتبطة بمحفوظات الأرشيف الفرنسية الموجودة عندهم،  ناهيك عن الجرائم الكبرى كمجازر 8 ماي 1945 وتجارب الأسلحة المحظورة،الكيماوية والنووية.

فملف الذاكرة يحمل مخزونا هائلا من الإشكالات التي تستدعي أن نقف عندها اليوم بعد هذا الامتدادالزمني لنعالجها بموضوعية على أمل أن نفتك اعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري، وعلى فرنسا اليوم ان تتحمل مسؤوليتها في معالجة بعض الاشكالات لاسيما استعادة الأرشيف وتنقية البيئة وحماية الانسان والأضرار التي خلفتها كل التجارب التي قامت بها على أرض الجزائر.

 

رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون صرح في العديد من المناسبات أن تقوية العلاقات الجزائرية الفرنسية مرتبطة أساسا بالطي النهائي لملفالذاكرة ما هي السيناريوهات المتوقعة بخصوص هذه العلاقات؟

في اعتقادي، فرنسا لحد الآن لازالت لم تتخلص بعد من نرجسيتها في كل ما له علاقة بالماضي الاستعماري، فهيتسعى دائما الى إضفاء نوع من المشروعية على وجودها في الجزائر وهذا يمثل مغالطة تاريخية لأنه لا يتناسب مع الواقع، والى يومنا هذا مازال الفرنسيون تحت تأثير الفكر الكولونيالي وبكل أسف المنظومة السياسية في فرنسا تتأثر بجماعات الضغط على غرار اللوبي اليميني المتطرف، لذا فالانتقال الى صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية مرتبطة بإثارة موضوع الذاكرة وطرحه في الفضاء العمومي للنقاش، حتى يخلق رأيا شعبيا على مستوى البلدين بإمكانه أن يدفع الحكومة الفرنسية لأن تنظر للملف بكل موضوعية،خاصة وأن الفرنسيين لم يستطيعوا التخلص من عقدة الماضي المرتبطة بفكرة الحنين لنظرية الجزائر فرنسية.في تصوري بإمكان العلاقات الجزائرية الفرنسية أن تتقدم بالمنطق الذي جاء به بيان أول نوفمبر إذا كانت فرنسا تحدوها النية لأن تجلس على طاولة المفاوضات وتناقش الأمر بكل موضوعية، سلمية وعقلانية وفق ما تقتضيه الأعراف والقوانين.

 

برأيكم ما هي الأسباب التي تقف وراء عدم سن قانون تجريم الإستعمار الذي أسال الكثير من الحبر وما يزال حاليا في أدراج البرلمان؟

الجزائر ليست في حاجة الى سن قانون يجرم الجريمة لأن الإستعمار برمته يمثل جريمة سواء في الضمير الجمعي الإنساني او في إطار القوانين المعمول بها في المجتمع الإنساني بشكل عام، كما أن الإستعمار لم يمس الجزائر وحدها بل مس عددا كبيرامن شعوب العالم التي عانت من ويلات الإستعمار، ومادام أن هذا الأخير متفق عليه في الأعراف والقوانين الدولية بأنه جريمة بكل المعايير سواء الاخلاقية او القانونية، اذن ليس على الجزائر أن تسن أي قانون في هذا الشأن لأن الأمر واضح.

 

مؤخرا بمناسبة ذكرى أحداث 17 أكتوبر نشر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تغريدة ترحم فيها على أرواح الجزائريين الذي ألقوا بهم في نهر السين معترفا ببشاعة الأعمال الإجرامية الإستعمارية، ما هي الرسالة التي يريد ماكرون تمريرها؟

موقف الرئيس الفرنسي ليس بالجديد، فكل مناسبة هناك مبادرات للاعتراف ببعض الجرائم التي وقعت لكن يبقى هذا غير كاف لأن المسألة لا تتعلق باعتراف بحادثة فقط، ولأن ربما ذلك وقع داخل التراب الفرنسي، لذا فرنسا اليوم تحاول أن تعيد إصلاح صورتها أمام العالم لأن جرائم 17 اكتوبر وقعت في بلد لا طالما هي موسومة بثقافات الشعوب وأنها مهد حرية التعبير الحر والديمقراطية وغيرها، لذا ماكرون يحاول تنميق صورة فرنسا ويعيد النظر في هذه المسألة.

 

في الآونة الاخيرة صعّدت أطراف فرنسية من مطلبها بإلغاء إتفاق الهجرة هل يمكن أن نعتبر ذلك وسيلة ضغط تمارسها هذه الاخيرة لعدم التعمق في ملف الذاكرة؟

اتفاقيات الهجرة لسنة 1968 تقريبا أُفرغت من محتواها بالنظر لما كانت تقدمه كحقوق للجزائريين، من منطلق أن هؤلاء كانت لهم مساهمة جبارة في بناء فرنسا المعاصرة حينما انطلقت أشغال المناجم الكبرى في حوض منطقة ليل المعروفة بقساوة المناخ فالأوائل الذين ألقوا بهم في المناجم فيإطار حركة التصنيع على مستوى الفحم ومصانع النسيج كانوا جزائريين جندوا عنوة وبغير حقوق ولم يكونوا حتى عمالا لذا من هذا المنطلق أجدد القول بأن الفكر السياسي في فرنسا لايزال منكوبا بعقدة استعمارية استعلائية تجعل  منهم في كل مرة يناورون دون الجلوس ومناقشة القضايا بموضوعية بما يقتضيه منطق تبادل المصالح.